باب الجمع بين الطلقات الثلاث وطلاق البتة .
2353 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أنا أبو العباس الأصم.
ح وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أنا أنا أبو بكر الحيري، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا عمي الشافعي، محمد بن علي بن شافع، عن عبد الله بن علي بن السائب، نافع بن عجير بن عبد الله بن يزيد، أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني طلقت امرأتي سهيمة البتة، ووالله ما أردت إلا واحدة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله ما أردت إلا واحدة؟".
فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة.
فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان رضي الله عنهما. [ ص: 210 ] . عن
وروي عن الزبير بن سعيد، عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، جده، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني طلقت امرأتي البتة، فقال: "ما أردت بها؟"، قلت: واحدة.
قال: "والله؟"، قلت: والله، قال: "فهو ما أردت". عن
ومعنى قوله : " بتة" ، أي : قاطعة ، وأصل البت : القطع .
يقال : صدقة بتة بتلة ، أي منقطعة عن جميع الأملاك .
قال الإمام : في هذا الحديث فوائد منها ما استدل به على أن الجمع بين الطلقات الثلاث مباح ، ولا يكون بدعة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ركانة : " ما أردت بها ؟" ، ولم ينهه أن يريد أكثر من واحدة ، وهو قول الشافعي الشافعي ، وأحمد .
وذهب بعضهم إلى أنه لو جمع بين طلقتين ، أو ثلاث طلقات ، يكون بدعة ، وهو قول مالك ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .
واختلف هؤلاء فيما لو طلق امرأته الحامل ثلاثا ، فذهب أكثرهم إلى أنه لا يكون بدعيا ، واختلف فيه أصحاب الرأي ، فقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف : يكون بدعيا إلا أن يفرقها على الشهور ، فيوقع في كل شهر واحدة ، وقال لا يوقع على الحمل إلا واحدة ، ويترك الثانية حتى تضع الحمل . [ ص: 211 ] . محمد بن الحسن :
وفيه دليل على أن طلاق البتة واحدة إذا لم يرد أكثر منها ، وأنها رجعية ، وهو قول وبه قال عمر بن الخطاب ، عطاء ، وإليه ذهب وسعيد بن جبير ، وقال : إذا نوى بها اثنتين أو ثلاثا ، فهو ما نوى . الشافعي ،
قال أما الطلاق فسنة ، فأمضوه ، وأما البتة فبدعة ، فدينوه . شريح :
وذهب جماعة إلى أنه واحدة بائنة ، إن لم يكن له نية ، وإن نوى ثلاثا ، فهو ثلاث ، وإن نوى اثنتين ، لم يكن إلا واحدة ، وهو قول الثوري ، وأصحاب الرأي .
وذهب جماعة إلى أنها ثلاث طلقات ، وهو قول ويروى أيضا عن علي بن أبي طالب ، وبه قال ابن عمر ، سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وإليه ذهب والزهري ، مالك ، وابن أبي ليلى ، وقال والأوزاعي ، أخشى أن يكون ثلاثا ، ولا أجترئ أن أفتي به . أحمد :
وروي عن علي أنه كان يجعل الخلية والبرية ، والبائنة ، والبتة ، والحرام ، ثلاثا .
قال الإمام : وفي الحديث دليل على أن لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وإنما لامرئ ما نوى" . من طلق زوجته ونوى عددا أنه يقع ما نوى ، سواء طلقها بصريح لفظ الطلاق أو بالكناية ،
يروى ذلك عن وهو قول عروة بن الزبير ، مالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي عبيد .
وذهب جماعة إلى أنه إذا نوى بصريح لفظ الطلاق أكثر من واحدة لا يقع [ ص: 212 ] إلا واحدة ، وهو قول الثوري ، والأوزاعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ، وقال الثوري ، وأصحاب الرأي : يجوز إرادة الثلاث بالكناية ، ولو أراد بها اثنتين لا تقع إلا واحدة بائنة .
وصرائح ألفاظ الطلاق عند ثلاثة : لفظ الطلاق ، والفراق ، والسراح ، يقع بها الطلاق من غير نية ، والكناية : كل لفظ ينبئ عن الفرقة ، مثل قوله : أنت خلية ، أو برية ، أو بتة أو بتلة ، أو حرام ، أو حرة ، أو قال : حبلك على غاربك ، أو الحقي بأهلك ، أو قال : اعتدي ، أو استبرئي رحمك ، أو لا ملك لي عليك ، أو قال : قومي ، أو اخرجي ، أو اذهبي ، أو تقنعي ، أو تستري ، ونحو ذلك ، يقع بها الطلاق إذا نوى ، وإن لم ينو ، فهو لغو ، وقال الشافعي إبراهيم : إذا قال : لا حاجة لي فيك نيته ، وطلاق كل قوم بلسانهم ، وقال إذا قال : الحقي بأهلك نيته . الحسن :
وقال إذا قال : ما أنت بامرأتي نيته ، وإن نوى طلاقا ، فهو ما نوى ، [ ص: 213 ] ولا تنقطع الرجعة بشيء منها إن كان بعد الدخول ، قياسا على صريح لفظ الطلاق عند الزهري : إنما تنقطع بذكر عوض ، أو استيفاء عدد الثلاث . الشافعي ،
وقال في الخلية ، والبرية : إن كل واحد منهما ثلاث طلقات ، وبه قال ابن عمر في المدخول بها ، وقال : يدين في غير المدخول بها ، وكذلك قال في البائنة . مالك
وقال إذا قال : برئت منك ، وبرئت مني ، ثلاث طلقات بمنزلة البتة ، وذهب الزهري : أصحاب الرأي إلى أن الكنايات أكثرها تقطع الرجعة .
وإذا حدث الرجل نفسه بالطلاق ، ولم يتلفظ ، لا يقع به شيء عند أكثر أهل العلم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به أنفسها ، ما لم تتكلم أو تعمل به" .
وإلى هذا ذهب عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وقتادة ، وبه قال الثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ، وأحمد ، وإسحاق ، وقال إذا عزم على ذلك وقع الطلاق ، وإن لم يتلفظ به ، وهو قول الزهري : واتفقوا على أنه لو عزم على الظهار ، لم يلزمه حكمه ، ولو حدث نفسه في الصلاة ، لم تبطل صلاته ، ولو كان حديث النفس بمنزلة الكلام ، لبطلت به الصلاة ، ولو قال لها : أنت طالق هكذا ، وأشار بثلاث أصابع ، كان ثلاثا ، فإن أشار بإصبعين ، فهو اثنتان ، قاله مالك ، الشعبي ، وقتادة ، والآخرون . [ ص: 214 ] .
ولو قال رجل لامرأته : أنت طالق عشرا أو مائة ، تقع الثلاث .
سأل رجل فقال : طلقت امرأتي ثماني تطليقات ، فقال ابن مسعود ، فماذا قيل لك ؟ قال : قيل لي : إنها قد بانت منك ، قال ابن مسعود : " أجل ، من طلق كما أمره الله فقد بين الله له ، ومن لبس على نفسه لبسا ، جعلنا لبسه به ، لا تلبسوا على أنفسكم ، ونتحمله عنكم ، هو كما تقولون" . ابن مسعود :
وقال رجل إني طلقت امرأتي مائة طلقة ، فماذا ترى علي ؟ قال لابن عباس : " طلقت منك بثلاث ، وسبع وتسعون اتخذت آيات الله بها هزوا" . ابن عباس :
أما فإن كان أخرس وقع ، وإن كان ناطقا ، اختلف أهل العلم فيه ، فذهب جماعة إلى أنه يقع به الطلاق في حق الغائب ، وإن لم ينو ، وهو قول إذا كتب بطلاق امرأته ، أصحاب الرأي ، وبه قال وقال أحمد بن حنبل ، مالك ، إذا وجه الكتاب إليها وقع ، وله أن يرجع قبل أن يوجه الكتاب إليها ، وعند والأوزاعي : إن [ ص: 215 ] نوى مع الكتابة ، يقع به الطلاق ، وإن لم ينو ، فلا يقع ، وذهب بعض أصحابه إلى أن الكناية يقع بها الطلاق إذا نوى في حق الحاضرة ، كما يقع في حق الغائبة ، وفرق بعضهم بين أن يكتب في بياض أو على الأرض ، فأوقعه إذا كتب فيما يكتب عليه عادة من رق ، أو بياض ، أو لوح ، وأبطله إذا كتب على الأرض . الشافعي :
قال الإمام : وفي حديث ركانة دليل على أن يمين الحكم لا تحسب قبل استحلاف الحاكم ، فإن ركانة ، لما قال : والله ما أردت إلا واحدة أعاد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال : والله ما أردت إلا واحدة ، فحلفه بعد ما كان حلف من قبل تحليفه ، وفيه أن اليمين باسم الله سبحانه وتعالى كافية على التجريد من غير أن يضم إليه شيئا من الصفات ، ويجوز تعليق الطلاق على الشروط ، وكذلك العتاق ، قال نافع : طلق رجل امرأته البتة إن خرجت ، فقال إن خرجت ، فقد بتت منه ، وإن لم تخرج ، فليس بشيء ، وقال ابن عمر : إذا قال : إذا حملت ، فأنت طالق ثلاثا ، يغشاها عند كل طهر مرة ، فإن استبان حملها ، فقد بانت . قتادة :