2370 - أخبرنا أنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا محمد بن بشار، عن ابن أبي عدي، نا هشام بن حسان، عكرمة، أن ابن عباس، هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة أو حد في ظهرك".
فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "البينة وإلا حد في ظهرك".
فقال هلال: والذي [ ص: 260 ] بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه: ( والذين يرمون أزواجهم ) فقرأ حتى بلغ ( إن كان من الصادقين ) ، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليها، فجاء هلال، فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟".
ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة، وقفوها، وقالوا: إنها موجبة.
قال فتلكأت، ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو ابن عباس: لشريك بن سحماء"، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا ما مضى من كتاب الله، لكان لي ولها شأن". عن
هذا حديث صحيح.
خدلج الساقين : عظيمهما ، ويروى : خدل الساقين ، أي : الممتلئ الساق ، المكتنز اللحم . [ ص: 261 ] .
وفيه دليل على أن وفيه دليل على أنه إذا قذف امرأته برجل بعينه ، ثم لاعن ، سقط عنه حد المرمي به ، كما يسقط حد الزوجة ، لأنه مضطر إلى ذكر من يقذفها به ، كما هو مضطر إلى قذف زوجته ، لإزالة الضرر عن نفسه ، ثم اللعان كان حجة له في حق الزوجة ، كذلك في حق المرمي به ، هذا إذا سمى المرمي به في اللعان ، فإن لم يسمه ، ففي سقوط حده موجب قذف الزوجة الحد ، كما في قذف الأجانب ، فإن لم يقم بينة ، ولم يلاعن ، يحد ، للشافعي قولان : فإن قلنا : لا يسقط ، فله إعادة اللعان لإسقاطه ، وذهب قوم إلى أن حد المرمي به لا يسقط باللعان ، وهو قول مالك ، وأصحاب الرأي .
وفي قوله عند الخامسة : " إنها موجبة" .
دليل على أن حكم اللعان لا يثبت إلا باستيفاء الكلمات الخمس ، وإليه ذهب وذهب الشافعي ، إلى أنه إذا أتى بالأكثر ، قام مقام الكل . أبو حنيفة
والسنة في اللعان أن يوقف الملاعن عند الكلمة الخامسة ، ويحذر ، ويقال : إنها موجبة .
يعني : توجب الغضب في حقها ، واللعن في حقه .
وروي في حديث عكرمة ، عن فلما كانت الخامسة قيل : " يا ابن عباس ، هلال ، اتق الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإنها الموجبة التي توجب عليك العذاب" .
وقيل لها عند الخامسة كذلك . [ ص: 262 ] .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر رجلا حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول : إنها موجبة " . ابن عباس عن
ويبدأ في اللعان بالرجل : فيقيمه الحاكم ، ويلقنه كلمة كلمة ، ثم يقيم المرأة ، فيلقنها كلمة كلمة .
وروي في أن النبي صلى الله عليه وسلم " وعظه وذكره ، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" ، قال : لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ، ثم دعاها ، فوعظها وذكرها ، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة . ابن عمر ،
قالت : والذي بعثك بالحق إنه لكاذب ، فبدأ بالرجل ، فشهد . حديث
وفي قوله : " لولا ما مضى من كتاب الله ، لكان لي ولها شأن" .
دليل على أن وإن كانت هناك شبهة تعترض ، وأمور تدل على خلافه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمضى حكم اللعان ، ولم يحكم عليها بالزنى بظاهر الشبه . القاضي يجب عليه أن يحكم بالظاهر ،
وروي عن عن عباد بن منصور ، عكرمة ، في قصة ابن عباس هلال بن أمية بعد ذكر التلاعن ، " ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ، ولا ترمى ولا يرمى ولدها ، ومن رماها أو رمى ولدها ، فعليه الحد ، وقضى أن لا بيت لها عليه ، ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ، ولا متوفى عنها" . [ ص: 263 ] . عن
وفيه من الفقه أن الرجل إذا قذف زوجته ، ولاعن عنها ، ونفى ولدها ، ثم قذفها قاذف ، يجب عليه الحد ، سواء لاعنت بعد لعانه ، أو امتنعت ، فحدث للزنى ، ولو قذفها زوجها ، فعليه التعزير بخلاف ما لو ثبت زناها ببينة ، أو إقرار من جهتها لا يجب الحد على قاذفها ، سواء قذفها زوجها أو غيره ، لأن البينة والإقرار حجة عامة ، واللعان حجة خاصة في حق الزوج ، هذا قول أكثر أهل العلم ، وذهب أصحاب الرأي إلى أنه إن كان هناك ولد حي قد نفاه باللعان لا يجب الحد على قاذفها ، وإن كان بعد موت الولد المنفي ، أو كان اللعان جرى بينهما لا على نفي ولد ، فيجب الحد على قاذفها ، وهذا تفصيل لا يصح في أثر ولا نظر .
وفيه دليل على أن ولا سكنى للملاعنة ، ولا نفقة كما قاله فرقة اللعان فرقة فسخ ، رحمه الله . الشافعي
قال الإمام : ويتعلق بلعان الزوج عند خمسة أحكام : سقوط حد القذف عنه ، ووجوب حد الزنى على المرأة ، كما لو أقام بينة على زناها ، وانقطاع الفراش عنه ، وتأبد التحريم ، ونفي النسب . الشافعي
ولا يتعلق بإقامة البينة شيء منها إلا سقوط حد القذف عنه ، ووجوب حد الزنى عليها ، ثم بعد لعان الزوج إذا أرادت المرأة إسقاط حد الزنى عن نفسها فإنها تلاعن ، لقول الله سبحانه وتعالى : ( ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ) ، والمراد بالعذاب : الحد ، ولا يتعلق بلعان المرأة إلا هذا الحكم الواحد .
ولو أقام الزوج بينة على زناها ، لم يكن لها إسقاط الحد باللعان ، وذهب أصحاب الرأي إلى أن الزوج إذا امتنع عن اللعان ، يحبس حتى يلاعن ، [ ص: 264 ] فإذا لاعن فلا حد عليها ، إنما عليها اللعان ، ولو قذف زوجته ، ثم أبانها قبل اللعان ، يجوز له أن يلاعن عنها لنفي النسب إن كان هناك ولد ، وإن لم يكن ، فلإسقاط الحد والتعزير إن طلبته المرأة ، وهو قول الحسن ، والشعبي ، والقاسم بن محمد ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد .
وذهب قوم إلى أنه لا حد ولا لعان ، وهو قول حماد بن أبي سليمان ، وإليه ذهب والنخعي ، الثوري ، وأصحاب الرأي ، ولو ماتت المرأة قبل أن يلاعن الزوج يحد الزوج ، ولا يلاعن ، إلا أن يكون ثم ولد يريد نفيه ، وقال يلاعن ، وقال الشعبي : حماد : يجلد ، فأما إذا أنشأ القذف بعد البينونة ، فلا لعان له ، بل عليه الحد إلا أن يكون ثم ولد يلحقه ، فله أن يلاعن لنفيه ، وكذلك له اللعان لنفي ولد يلحقه بنكاح فاسد ، أو وطء شبهة .
ثم إذا لاعن ، يسقط عنه حد القذف ، وذهب أصحاب الرأي إلى أن القذف بعد البينونة ، وفي النكاح الفاسد لا يثبت اللعان ، وقذف الأخرس بالإشارة قذف ، ولعانه بالإشارة موجب للحكم ، وذهب أصحاب الرأي إلى أنه لا حكم لقذفه ولا للعانه بالإشارة ، واتفقوا على جواز طلاقه ، وعتقه ، وبيعه ، بالإشارة ، والكتبة .