الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            3284 - أخبرنا ابن عبد القاهر، أنا عبد الغافر بن محمد، أنا محمد بن عيسى، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان، نا مسلم بن الحجاج، حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، نا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب، فأولت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب". [ ص: 223 ] .

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            قال ابن سيرين: نوى التمر: نية السفر، وقد يعبر السفرجل بالسفر إذا لم يكن في الرؤيا ما يدل على المرض، لأن أوله سفر.

                                                                            والسوسن بالسوء، لأن أوله سوء، إذا عدل به عما ينسب إليه في التأويل.

                                                                            والتأويل بالمعنى كالأترج يعبر بالنفاق، لمخالفة باطنه ظاهره، إن لم يكن في الرؤيا ما يدل على المال.

                                                                            وكالورد والنرجس يعبر بقلة البقاء إن عدل به عما ينسب إليه، لسرعة ذهابه.

                                                                            ويعبر الآس بالبقاء، لأنه يدوم.

                                                                            حكي أن امرأة سألت معبرا بالأهواز: إني رأيت في المنام كأن زوجي ناولني نرجسا، وناول ضرة لي آسا.

                                                                            فقال: يطلقك ويتمسك بضرتك، أما سمعت قول الشاعر:


                                                                            ليس للنرجس عهد إنما العهد لآس

                                                                            ، وأما التأويل بالضد والقلب، فكما أن الخوف في النوم يعبر بالأمن، لقوله سبحانه وتعالى: ( وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ) ، والأمن فيه يعبر بالخوف.

                                                                            ويعبر البكاء بالفرح إذا لم يكن معه رنة.

                                                                            ويعبر الضحك بالحزن، إلا أن يكون تبسما.

                                                                            ويعبر الطاعون بالحرب، والحرب بالطاعون.

                                                                            ويعبر العجلة في الأمر بالندم، والندم بالعجلة.

                                                                            ويعبر العشق بالجنون، والجنون بالعشق.

                                                                            والنكاح بالتجارة، والتجارة بالنكاح.

                                                                            ويعبر الحجامة بكتبة الصك، وكتبة الصك بالحجامة.

                                                                            ويعبر التحول عن المنزل بالسفر، والسفر بالتحول عن المنزل. [ ص: 224 ] .

                                                                            ومن هذا القبيل أن العطش في النوم خير من الري، والفقر خير من الغنى، والمضروب، والمجروح، والمقذوف أحسن حالا من الضارب، والجارح، والقاذف، وقد يتغير حكم التأويل بالزيادة والنقصان، كقولهم في البكاء: إنه فرح، فإن كان معه صوت ورنة، فهو مصيبة.

                                                                            وفي الضحك: إنه حزن، فإن كان تبسما فصالح.

                                                                            وكقولهم في الجوز: إنه مال مكنوز، فإن سمعت له قعقعة، فهو خصومة.

                                                                            والدهن في الرأس زينة، فإن سال على الوجه، فهو غم.

                                                                            والزعفران ثناء حسن، فإن ظهر له لون أو جسد، فهو مرض أو هم.

                                                                            والمريض يخرج من منزله ولا يتكلم، فهو موته، وإن تكلم برأ.

                                                                            والفأر نساء، ما لم يختلف ألوانها، فإن اختلف ألوانها إلى بيض وسود، فهي الأيام والليالي.

                                                                            والسمك نساء إذا عرف عددها، فإن كثر فغنيمة.

                                                                            وقد يتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرأي كالغل في النوم مكروه، وهو في حق الرجل الصالح قبض اليد عن الشر، وكان ابن سيرين يقول في الرجل يخطب على المنبر يصيب سلطانا، فإن لم يكن من أهله يصلب، وسأل رجل ابن سيرين، قال: رأيت في المنام كأني أؤذن.

                                                                            قال: تحج.

                                                                            وسأله آخر، فأول بقطع يده في السرقة، فقيل له في التأويلين، فقال: رأيت الأول على سيماء حسنة، فأولت قوله سبحانه وتعالى: ( وأذن في الناس بالحج ) ، ولم أرض هيئة الثاني، فأولت قوله عز وجل: ( ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ) ، وقد يرى الرجل في منامه فيصيبه عين ما رأى حقيقة من ولاية، أو حج، أو قدوم غائب، أو خير، أو نكبة، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الفتح، فكان كذلك، قال الله سبحانه وتعالى: ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) . [ ص: 225 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية