14 - ( 271 ) : حدثنا محمد بن منصور الجواز ، أبو عبد الله ، قال : ثنا يعقوب بن محمد [ ص: 461 ] بن عيسى الزهري ، قال : ثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عبد الرحمن بن عياش الأنصاري ، ثم السمعي ، عن دلهم بن الأسود ، بن عبد الله عن أبيه ، عن عمه لقيط بن عامر ، أنه خرج وافدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 462 ] ومعه (نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق) قال : فقدمنا المدينة لانسلاخ رجب ، فصلينا معه صلاة الغداة ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس خطيبا فقال : " أيها الناس إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام إلا لأسمعكم ، فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا : اعلم ، اعلم لنا ، ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟
لعله أن يلهيه حديث نفسه ، أو حديث صاحبه ، أو تلهيه الضلالة ، ألا إني مسئول هل بلغت ؟ ألا اسمعوا تعيسوا ، ألا اجلسوا ألا اجلسوا فجلس الناس ، وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت : (إني سائلك عن حاجتي ، فلا تعجلن علي ، قال : سل عن ما شئت) ، قلت : يا رسول الله ، هل عندك من علم الغيب ؟
فضحك لعمر الله وهز رأسه ، وعلم أني أبتغي تسقطه .
فقال :
فقلت : ما هن يا رسول الله ؟
قال : علم المنية ، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه ، وعلم يوم الغيث . ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله ، وأشار بيده .
يشرف عليكم أزلين مشفقين فيظل يضحك ، قد علم أن غوثكم قريب . قال لقيط : فقلت - : يا رسول الله لن نعدم من رب يضحك خيرا يا رسول الله .
قال : وعلم ما في غد ، قد علم ما أنت طاعم ، غدا ، ولا تعلمه .
[ ص: 463 ] وعلم يوم الساعة .
قال : وأحسبه ذكر ما في الأرحام .
قال : قلت : يا رسول الله علمنا مما تعلم الناس وما تعلم ، فأنا من قبيل لا يصدقون ، تصديقنا أحد من مذحج ، التي تدنو إلينا ، وخثعم التي توالينا ، وعشيرتنا التي نحن منها .
قال : تلبثون ما لبثتم (ثم يتوفى نبيكم) صلى الله عليه وسلم ، [ثم] ، تلبثون ما لبثتم ، ثم تبعث الصيحة ، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها شيئا إلا مات والملائكة الذين مع ربك .
فخلت الأرض ، فأرسلت السماء بهضيب من تحت العرش ، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها من مصرع قتيل ، ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من قبل رأسه فيستوي جالسا .
[ ص: 464 ] يقول ربك مهيم ، (لما كان منه) .
يقول : يا رب أمس اليوم ، لعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله .
قلت : يا رسول الله : كيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح والبلى والسباع ؟
قال : أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله .
الأرض أشرفت عليها مدرة بالية ، فقلت : لا تحيا أبدا .
فأرسل ربك عليها السماء . . . .
فلم تلبث عنها إلا أياما حتى أشرفت عليها ، فإذا هي شربة واحدة .
ولعمر إلهك : لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض . فتخرجون من الأصواء ومن مصارعكم ، فتنظرون إليه وينظر إليكم .
[ ص: 465 ] قال : قلت : يا رسول الله : كيف وهو شخص واحد ونحن ملء الأرض ننظر إليه وينظر إلينا ؟ قال : أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، الشمس والقمر : آية منه ، صغيرة ترونهما في ساعة واحدة ، وتريانكم ، لا تضامون في رؤيتهما ، ولعمر إلهك : لهو على أن يراكم وترونه أقدر منهما على أن يريانكم وترونهما .
قلت : يا رسول الله : فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه ؟
قال :
فيأخذ ربك (عز وجل) بيده غرفة من الماء ، فينضح بها قبلكم ، فلعمر إلهك ، ما تخطئ وجه واحد منكم منها قطرة .
وأما المؤمن فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء .
وأما الكافر : فتضمخه بمثل الحمم الأسود . تعرضون عليه ، بادية له صفحاتكم ، لا تخفى عليه منكم خافية .
ألا ثم ينصرف نبيكم - صلى الله عليه وسلم ، ويفرق على أثره الصالحون ، أو قال : [ ص: 466 ] ينصرف على أثره الصالحون ، قال : فيسلكون جسرا من النار ، يطأ أحدكم الجمرة فيقول : حس .
فيقول ربك : أو أنه قال : فتطلعون على حوض الرسول - صلى الله عليه وسلم - أظمأ ناهله ، والله ما رأيتها قط .
فلعمر إلهك : ما يبسط (يده) أو قال : يسقط واحد منكم إلا وقع عليها ، قدح يطهره من الطوف والبول والأذى ، وتخلص الشمس والقمر أو قال : تحبس الشمس والقمر ، فلا ترون منهما واحدا .
فقلت يا رسول الله : فبم نبصر يومئذ ؟ قال : بمثل بصرك ساعتك هذه .
[ ص: 467 ] وذلك في يوم أشرقت الأرض وواجهت الجبال ، قال : قلت يا رسول الله : فبم نجازى من سيئاتنا وحسناتنا ؟
قال - صلى الله عليه وسلم - : الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها أو يعفو .
قلت : يا رسول الله : فما الجنة وما النار ؟
قال :
وإن للنار سبعة أبواب ، ما منهن بابان إلا بينهما مسيرة الراكب سبعين عاما . لعمر إلهك ، إن للجنة لثمانية أبواب ، ما منهم بابان إلا وبينهما مسيرة الراكب سبعين عاما .
قلت : يا رسول الله : ما يطلع من الجنة ؟ قال : أنهار من عسل مصفى ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من كأس ما لها صداع ، ولا ندامة ، وماء غير آسن ، وفاكهة .
ولعمر إلهك ، ما تعلمون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة .
قلت : يا رسول الله : أو لنا أزواج منهم أو منهن مصلحات .
[ ص: 468 ] قال : الصالحات للصالحين ، تلذونهم مثل لذاتكم في الدنيا ، ويلذذنكم غير أن لا توالد .
قلت : يا رسول الله : هذا أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ؟
(قال : فلم يجبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ) .
قلت : يا رسول الله ، علام أبايعك ؟ قال : فبسط النبي يده . فقال : على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وزيال المشركين .
إن الله لا يغفر أن يشرك به إلها غيره .
فقلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب ، فقبض (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده) ، وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئا لا يعطينه .
فقلت : نحل منها حيث شئنا ولا يجن على امرئ إلا نفسه .
قال : ذلك لك ، حل منها حيث شئت ، ولا يجن عليك إلا نفسك .
فبايعناه : ثم انصرفنا .
[ ص: 469 ] فقال : ها إن ذين ، ها إن ذين ، ها إن ذين ، ثلاثا لمن يقرئني حديثا . لأنهم من أتقى الناس لله في الأول ، والآخر .
فقال كعب بن الخدارية : - أحد بني بكر بن كلاب - من هم يا رسول الله ؟
فقال : بنو المنتفق ، أهل ذلك منهم ، قال : فأقبلت عليه .
فقلت : يا رسول الله : هل لأحد ممن مضى منا في جاهليته من خير ؟ فقال : رجل من عرض قريش : والله إن أباك المنتفق في النار .
قال : فكأنه وقع حر بين جلد وجهي ولحمه مما قال لأبي على رؤوس الناس . فهممت أن أقول : وأبوك يا رسول الله ، ثم نظرت : فإذا الأخرى أجمل : فقلت : وأهلك يا رسول الله . قال : وأهلي .
لعمر الله ، حيث ما أتيت عليه من قبر قرشي أو عامري مشرك فقل : [ ص: 470 ] أرسلني إليك محمد فأبشر بما يسوءك ، تجر على بطنك ووجهك في النار .
قال : فقلت : فما فعل ذلك بهم يا رسول الله وكانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه ؟ وكانوا يحسبونهم مصلحين ؟
قال : ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم نبيا ، فمن أطاع نبيه كان من المهتدين ومن عصى نبيه كان من الضالين .
قال معنى قوله : (غير أن لا توالد) : أي : لا يشتهون الولد . لأن في خبر أبو بكر : محمد بن إسحاق : أبي بكر الصديق الناجي ، عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا اشتهى أحدكم الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة " .
[ ص: 471 ] [ ص: 472 ] [ ص: 473 ] [ ص: 474 ] [ ص: 475 ] [ ص: 476 ] والله عز وجل قد أعلم أن لأهل الجنة فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، ومحال أن يشتهي المشتهي في الجنة ولدا فلا يعطى شهوته والله لا يخلف الوعد .
والأولاد في الدنيا : قد يكون على غير شهوة الوالدين . فأما في الجنة : فلا يكون لأحد منهم ولد إلا أن يشتهي فيعطى شهوته على ما قد وعد ربنا أن لهم فيها ما تشتهي أنفسهم .
[ ص: 477 ]