ولما اختلفوا في ذلك ووجدنا الحجة قد قامت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : " إنما الولاء لمن أعتق " .
عقلنا بذلك أنه لا يكون ولاء نسمة قد أعتقها رجل لغيره ، فاستحال بذلك أن يكون [ ص: 366 ] للمسلمين جميعا ولاء ما أعتق بعضهم ، ولما انتفى ما وصفنا ثبت القول الآخر ، وأن المراد بالرقاب هو المعونة للمكاتبين ، كما قد حض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم فيما :
766 - حدثنا قال : حدثنا أبو أمية ، عن أبو داود الطيالسي ، عمرو بن ثابت ، قال : حدثنا أن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عبد الرحمن بن سهل بن حنيف حدثه ، أن أباه حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " من أعان مكاتبا في رقبته ، أو غارما في عسرته ، أو مجاهدا في سبيل الله - عز وجل - أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " .
767 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا قال : حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، ابن سهل بن حنيف ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .
فعقلنا بهذا الحديث أن معونة لهم في رقابهم حتى يعتقوها بأدائهم عنها وكما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما : الصدقة على المكاتبين
768 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم ، عيسى بن عبد الرحمن ، قال : حدثني طلحة بن الأمامي ، عن عبد الرحمن بن عوسجة ، قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : علمني عملا يدخلني الجنة ، فقال : " وإن كنت أقصرت الخطبة لقد عرضت المسألة ، أعتق النسمة ، وفك الرقبة " ، قال : أوليسا واحدا ؟ البراء بن عازب ،
قال : " لا ، عتق النسمة أن تفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ، والمنحة الوكوف والفيء على ذي الرحم الظالم ، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع ، واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير " . عن
فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث غير فكاك الرقبة ، وجعل تحريرها فيه عتاقها كما جعله الله - عز وجل - في كتابه في الكفارة في الظهار ، وفي القتل خطأ ، وفي الأيمان ، وكما أوجبه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الكفارة بالإفطار في شهر رمضان . عتاق النسمة
وجعل المعونة في ثمنها الذي يعتق به كما يفك المرهون بالديون التي هي محبوسة بها [ ص: 367 ] . فكاك الرقبة
وعقلنا بذلك أن فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة ) إن ذلك إلا فكاك للرقبة ، هو هذا المعنى ، لا ابتياعها وعتاقها ، والله أعلم . تأويل قول الله - عز وجل - : (
ولم يرد في الحديث الذي روينا والله أعلم بالمعونة ، وثمن الرقبة الثمن الذي يبتاع به ، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن معونة للرقبة ، وإنما كان معونة لمبتاعها الذي قد تحرم عليه الصدقة ، أو قد تحل له ، والذي قد عسى أن يعتقها بعد ابتياعها إياها ، أو يموت قبل أن يعتقها فتعود ميراثا عنه ، أو يأبى في حياته عتقها فلا يجبر على ذلك ، فلا يحكم به عليه ، أو تحدث به حادثة قبل عتقه إياها تمنعه من عتاقها كذهاب عقله وما أشبهه ، عقلنا بذلك أن الفكاك هو ملكية الرقبة حتى يتولى فكاكها به ، لا ما سواه ، ولا يكون ذلك إلا وقد تقدم في الرقبة ما يوجب لها الملك لما يملك ، حتى يفك به الرق عنها ، وهو الكتابة لا غيرها .
وكذلك ما جعل الله جل وعز في الآية التي تلونا في الرقاب هو من هذا الجنس وهو ما ملكته الرقاب ، فلا يملك الرقاب ما يؤديه عن أنفسها حتى يعتق به ، إلا وهي مكاتبة قبل ذلك .
وقد ذكر الله - عز وجل - في هذه الآية في : ( الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية فكان ما أريد به من ذلك هو ما يملكونه ، فكان أولى الأشياء بنا في الرقاب أن يجعل ما أريدت به فيها هو ما يملكه ، ولا يكون ذلك كذلك إلا وقد تقدمت المكاتبات فيها ، فيثبت بذلك أن أولى التأويلين بقوله - عز وجل - : ( وفي الرقاب ) هو ما ذهب إليه الذين جعلوها في المكاتبين .
وأما والغارمين ) فهم المدينون ، لا اختلاف في ذلك بين أهل العلم علمناه. قوله : (