وقد ذكرنا بقية ما روي في هذا الكتاب فيما تقدم في كتابنا بأسانيدها ، فكان معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " أي : ليس المسكين الذي هو في أعلى مراتب المسكنة بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان . ليس المسكين بالطواف " ،
والدليل على ما ذكرناه وعلى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرد بقوله : " ليس من البر الصيام في السفر " إخراج السفر أن يكون موضع صوم .
957 - إن حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، الأوزاعي ، عن قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، قال : قال : مر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل في سفره في ظل شجرة ، يرش عليه الماء ، فقال : " ما بال هذا ؟ " قالوا : صائم يا رسول الله ، قال : " جابر بن عبد الله ، فعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها " . ليس من البر الصيام في السفر ، حدثني
فدل ذلك أن مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : " المعنى الذي تأوله عليه من جعله على معنى : ليس من البر الذي هو أبر البر ، والذي لا رخصة فيه لصائم في السفر وقد بين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ليس من البر الصوم في السفر " حمزة بن عمرو الأسلمي .
958 - حدثنا الربيع الأزدي الحيري ، قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد ، قال : حدثنا قال : أخبرنا حيوة بن شريح ، أنه سمع أبو الأسود ، يحدث ، عن عروة بن الزبير أبي مراوح ، حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه - ، أنه قال : يا رسول الله ، إني أسرد الصيام أفأصوم في السفر ؟ قال : " إنما هي رخصة من الله - عز وجل - للعباد ، من قبلها فحسن جميل ، ومن تركها فلا جناح عليه " . عن
أفلا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر في هذا الحديث أن الإفطار في السفر إنما كان من الله جل وعز رخصة منه لعباده ، لا لأن السفر ليس موضع صوم وقد [ ص: 438 ] روينا فيما تقدم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خروجه في رمضان مسافرا ، وصومه فيه ، وإفطاره بعد ذلك ، وأمره الناس بالإفطار لما شق عليهم الصيام ، وذلك دليل على أن ذلك كان منه - صلى الله عليه وسلم - بعد إنزال الله - عز وجل - : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) .
وقد رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإفطار في السفر ، وفي الصوم في رمضان في السفر آثار أخر قد جاءت مجيئا متواترا .
959 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا قال : حدثنا روح ، عن ابن أبي عروبة ، عن عبد السلام ، حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان " يصوم في السفر ويفطر " .
960 - حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا عن أبو معاوية الضرير ، عن عاصم ، مورق العجلي ، قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فنزلنا يوما شديد الحر ، فمنا الصائم ومنا المفطر ، وأكثرنا ظلا صاحب الكساء ، ومنا من يستر الشمس بيده ، فسقط الصوام وقام المفطرون ، فضربوا الأبنية ، وسقوا الركاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذهب المفطرون اليوم بالأجر " . أنس ، عن
961 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا أن ابن وهب ، أخبره ، عن مالكا حميد الطويل ، أنه قال : سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ، " فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " . أنس ، عن
962 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا قال : حدثنا روح ، قال : سمعت شعبة ، يحدث ، عن قتادة أبي نضرة ، عن قال : أبي سعيد الخدري ، مكة ، تسع عشرة أو لتسع عشرة من رمضان ، " فصام صائمون وأفطر مفطرون ، فلم يعب هؤلاء على هؤلاء ، ولا هؤلاء على هؤلاء " . كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح
963 - حدثنا علي ، قال : حدثنا قال : حدثنا روح ، عن ابن أبي عروبة ، فذكر بإسناده مثله غير أنه قال : لاثنتي عشرة [ ص: 439 ] . قتادة ،
964 - حدثنا علي ، قال : حدثنا وحدثنا روح ، قال : حدثنا أبو بكرة ، وهب ، قالا : حدثنا عن هشام ، فذكر بإسناده مثله ، غير أنهما قالا : لثماني عشرة . قتادة ،
965 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا أن ابن وهب ، أخبره ، عن مالكا عن أبيه ، هشام بن عروة ، عن رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، عائشة حمزة بن عمرو الأسلمي ، قال : يا رسول الله ، أصوم في السفر ؟ وكان كثير الصوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " . أن
966 - حدثنا قال : حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثني عبد الحميد بن جعفر ، عمران بن أبي أنس ، عن سليمان ، عن حمزة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله.
967 - حدثنا علي ، قال : حدثنا قال : حدثنا روح ، سعيد ، وهشام ، عن عن قتادة ، سليمان ، عن حمزة بذلك .
968 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا أن ابن وهب ، أخبره ، مالكا مولى سمي ، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمر الناس في سفر عام الفتح بالفطر وقال : " تقووا لعدوكم " ، وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبي بكر بن عبد الرحمن ،
قال أبو بكر : قال الذي حدثني : لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرج يصب على رأسه الماء من العطش أو من الحر ، ثم قيل : يا رسول الله ، إن طائفة من الناس صاموا حين صمت ، فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكديد " دعا بقدح فشرب ، فأفطر الناس " . عن
فهذه آثار متواترة فيها فدل ذلك من تأويل ما رويناه من قوله صلى الله عليه وسلم : صوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان في السفر ; على ما تأولناه عليه [ ص: 440 ] . " ليس من البر الصوم في السفر " ،
وقد قال قوم : إنه لا فضل لصوم رمضان في السفر على المفطرين فيه في السفر .