وذهب آخرون على أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " لا ينقصان " أي : لا ينقصان وإن كانا تسعا وعشرين ، في أحكامهما عما يكونان عليه إذا كانا ثلاثين ، لما فيهما من أمور الإسلام ، لأن الصوم في أحدهما وليس في غيره من الشهور ، والحج في أحدهما وليس في غيره من الشهور ، يقصد إليهما بذلك لينفي عنهما نقصان الحج والصيام ، وإن كانا تسعا وعشرين . 
وقد دل هذا التأويل ما رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : " الشهر تسع وعشرون  " ، ومن قوله في شهر رمضان : " إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين " .  
فعقلنا بذلك أنا قد نرى هلال شوال قبل أن يكمل رمضان ثلاثين يوما . وقد روي حديث  أبي بكرة  هذا من غير هذين الوجهين بخلاف ما روي من هذين الوجهين . 
 982  - حدثنا  ابن أبي داود ،  قال : حدثنا فروة بن أبي المغراء ،  قال : حدثنا  القاسم بن مالك المزني ،  عن عبد الرحمن بن إسحاق ،  عن  عبد الرحمن بن أبي بكرة ،  عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل شهر حرام ثلاثون يوما وثلاثون ليلة " . 
وكان هذا الحديث عندنا ليس بشيء إذ كان عبد الرحمن بن إسحاق  لا يقام  خالد الحذاء  في ضبطه وإتقانه ، وإذا العنان قد يدفع ما رووا ، لأنا قد رأينا الشهور الحرام قد تنقص عن الثلاثين ، لا تدافع ذلك العامة ولا الخاصة في حديث  ابن إسحاق  هذا ، إخراج رمضان مما أدخله فيه خالد  في حديثه الذي رويناه عنه أن شهر رمضان ليس من الشهور الحرم ،  وقد ذكرنا فيما تقدم بنا في هذا الباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشهر تسع وعشرون من غير أن يكون نقصا " ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، واحتجنا إلى إعادته هاهنا ، وبعض ما روي عنه فيه ليستخرج ما في ذلك من الدلائل على المراد بقوله صلى الله عليه وسلم :  " شهرا عيد لا ينقصان ، رمضان وذو الحجة " .  
 983  - حدثنا  ابن أبي داود ،  قال : حدثنا  محمد بن عبد الله بن نمير ،  قال : حدثنا  محمد بن بشر العبدي ،  عن  إسماعيل بن أبي خالد ،  عن  محمد بن سعد ،  عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشهر هكذا ، وهكذا ، وهكذا ونقص في الثالثة أصبعا " .   [ ص: 444 ]  . 
 984  - حدثنا بكر بن إدريس بن الحجاج الأزدي ،  قال : حدثنا  آدم بن أبي إياس ،  قال : حدثنا  شعبة ،  قال : حدثنا صلة بن سحيم ،  قال : سمعت  ابن عمر ،  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشهر هكذا ، وهكذا ، وهكذا ، وضم إبهامه في الثالثة " .  
 985  - حدثنا بكر ،  قال : حدثنا آدم ،  قال : حدثنا  شعبة ،  قال : حدثنا الأسود بن قيس ،  قال : سمعت سعيد بن عمرو ،  يقول : سمعت  ابن عمر  يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . 
 986  - حدثنا فهد ،  قال : حدثنا  يحيى بن صالح ،  قال : حدثنا  معاوية بن سلام ،  قال : حدثنا  يحيى بن أبي كثير ،  عن  أبي سلمة ،  أنه سمع  عبد الله بن عمرو ،  يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " الشهر تسع وعشرون "   . 
وكان هذا عندنا والله أعلم من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قصده إلى شهر بعينه أنه كذلك ، لا على أن الشهور كلها تسع وعشرون . 
ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم :  " فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين " ، لأنه أكثر ما يكون الشهر كذلك والدليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصد بقوله : " الشهر تسع وعشرون " إلى شهر بعينه . 
 987  - أن بكارا ،   وإبراهيم بن مرزوق  حدثانا ، قالا : حدثنا  عمر بن يونس اليمامي ،  قال : حدثنا  عكرمة بن عمار ،  عن  سماك أبي زميل ،  قال : حدثني  ابن عباس ،  قال : حدثني  عمر بن الخطاب ،  فذكر إيلاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه ، وأنه نزل لتسع وعشرين ، فقال : " إن الشهر قد يكون تسعا وعشرين "  هكذا لفظ هذا الحديث . 
 988  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  روح بن عبادة ،  قال : حدثنا  ابن جريج ،  قال : حدثني يحيى بن عبد الله بن محمد بن صيفي ،  أن  عكرمة  أخبره ، أن  أم سلمة  أخبرته ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " حلف أن لا يدخل على بعض أهله شهرا ، فلما مضى تسع وعشرون  [ ص: 445 ] غدا عليهما ، أو راح " ، فقيل له : حلفت يا نبي الله أن لا تدخل عليهن شهرا ؟ ، فقال : " إن الشهر تسعة وعشرون يوما " .  
 989  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  روح ،  قال : حدثنا زكريا بن إسحاق المكي ،  قال : حدثنا  أبو الزبير ،  أنه سمع جابرا ،  يقول : هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهرا وكان يكون في العلو ، ويكن في السفل ، فنزل إليهن في تسع وعشرين ليلة ، فقال رجل : إنك مكثت تسعا وعشرين ليلة ، فقال : " إن الشهر هكذا ، وهكذا بأصابع يده وهكذا وقبض في الثالثة إبهامه " .  
 990  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  روح ،  قال : حدثنا  ابن جريج ،  قال : حدثني  أبو الزبير  أنه سمع جابرا ،  فذكر مثله . 
 991  - حدثنا نصر بن مرزوق ،  قال : حدثنا  علي بن معبد ،  قال : حدثنا  إسماعيل بن جعفر ،  عن  حميد ،  عن  أنس ،  قال : آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه ، فأقام في مشربة تسعا وعشرين ، ثم نزل فقالوا : يا رسول الله ، آليت شهرا ، فقال : " الشهر تسع وعشرون " .  
فدل ما ذكرنا على أن مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله :  " الشهر تسع وعشرون " ، أو ما معناه ، معنى هذا القول : أنه أراد بذلك الشهر الذي وقع إيلاؤه عليه ، وذلك عندنا ، والله أعلم ; لأن يمينه وافقت أول الشهر . 
				
						
						
