الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قول الله - عز وجل - : ( وذروا البيع ذلكم خير لكم )

                  قال الله - عز وجل - : ( وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) ، فكان أول الوقت المنهي عن البيع فيه مختلفا ، وفي الذي منع منه هل هو النداء ؟ أو وقت النداء ؟ .

                  229 - فحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن كلثوم بن جبير ، قال : قال مسلم بن يسار : " إذا انتصف النهار يوم الجمعة فلا تشتر ولا تبع " .

                  230 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : " يحرم الشراء والبيع إذا زالت الشمس يوم الجمعة " .

                  231 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن رجل ، عن مسروق ، في قوله - عز وجل - : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) ، قال : هو الوقت .

                  فهذا مسروق ، ومسلم بن يسار ، والضحاك قد جعلوا الذي يمنع من البيع والشراء في هذه الآية زوال الشمس ، لا النداء بالصلاة [ ص: 152 ] .

                  232 - وقد حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : " العزمة عند النداء " .

                  233 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن الزهري ، قال : " يحرم البيع والشراء عند النداء " .

                  فهذا مجاهد ، والزهري قد جعلا الذي ينهى عن البيع النداء ، لا الزوال .

                  ولما كان على الناس إذا زالت الشمس إتيان الجمعة ولا يرفع ذلك عنهم تأخير النداء بها ، كان الذي يوجب تركهم البيع والشراء ويمنعهم منها هو ذلك الوقت ، لا النداء الذي ينادى به بعده ، ولما كان النداء على الزوال لا معنى له ، دل ذلك على أن النداء الذي بعد الزوال إنما هو بعد ما قد وجب إتيان الصلاة ، وترك التشاغل عنها بغيرها .

                  وقد اختلف أهل العلم في المتبايعين في هذا الوقت المنهي عن التبايع فيه ، فقال طائفة منهم : هو مكروه ، والبيع جائز ، وممن قال ذلك منهم : أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي .

                  وقالت طائفة منهم : ذلك البيع باطل ، وممن قال ذلك منهم مالك بن أنس .

                  ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما يجمعون عليه من شكل ما اختلفوا فيه من هذا التعطف عليها ما اختلفوا فيه ، فوجدناهم لا يختلفون أن الله - عز وجل - قد حرم على العباد التشاغل عن الصلوات في آخر أوقاتها إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار ما تؤدى فيه تلك الصلاة ، وكان من صار في مثل ذلك من الوقت ، فترك الصلاة ، فباع واشترى ، فبيعه وشراؤه جائزان بلا اختلاف ممن ذكرنا ، فلما كان البيع في هذا الوقت جائزا أو إن كان الوقت الذي عقد فيه منهيا عن البيع فيه كان كذلك البيع فيما سواه من الأوقات المنهي عن البيع فيها ، والله أعلم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية