وكانت الخطبة التي للجمعة لا تجب إلا على جماعة تجري معهم الجمعة ، فلما لم يترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخطبة ، ولا صلاة الجمعة بذهاب الناس عنه إلا هذا العدد الذي منهم ، ثبت بذلك أن الجمعة تكون مع أقل من أربعين رجلا ،  وهذا قول  أبي حنيفة ،   وزفر ،   وأبي يوسف ،  ومحمد ،  لا كما ذهب إليه من قال لا تجري إلا بأربعين رجلا فصاعدا ، وذهب في التوقيت في ذلك إلى ما :  [ ص: 156 ] 
 243  - حدثنا فهد ،  قال : حدثنا يوسف بن بهلول ،  قال : حدثنا  عبد الله بن إدريس ،  عن  محمد بن إسحاق ،  قال : حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ،  أن أباه حدثه ، أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ،  قال : " كنت قائدا لأبي بعد ما ذهب بصره ، وكان لا يسمع النداء إلا قال : رحمه الله على  أبي أمامة ،  فقلت لأبي : إنه ليعجبني صلواتك على  أبي أمامة  كلما سمعت النداء في يوم الجمعة ، فقال أبي : يا بني ، إنه أول من جمع بنا الجمعة في حرة بني بياضة   في روضة ، يقال لها : بقيع الخضمات ، قلت : وكم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون رجلا " . 
فهذا ما لا حجة له فيه ، إنه قد يجوز أن يجمع بعدد والجمع بأقل منه جائز ، ولقد روي أن أول من جمع بالناس بالمدينة  عن  أبي أمامة .  
 244  - حدثنا  أبو أمية ،  قال : حدثنا عبد الغفار بن عبد الله الكريري ،  عن  صالح بن أبي الأخضر ،  عن  الزهري ،  عن  أبي بكر بن عبد الرحمن ،  عن أبي مسعود ،  قال : " أول من قدم من المهاجرين  المدينة   مصعب بن عمير ،  وهو أول من جمع بها أول يوم الجمعة ،  جمعهم قبل أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم " . 
ولما ثبت من قول من أجاز الجمعة بالجماعة التي دون الأربعين ، وكان قائلوا ذلك على مذهبين ، فقوم يقولون : تجوز الجمعة بثلاثة نفر سوى الإمام ، وممن قال ذلك منهم  أبو حنيفة ،  ومحمد   . 
ولما كانت الجمعة لا تجري بالرجل الواحد سوى الإمام ،  وتجري بالثلاثة الرجال سوى الإمام ، واختلف في حكم الرجلين ، نظرنا في حكمهما هل هو كحكم الثلاثة الرجال أو كحكم الرجل الواحد ؟ فنعطفه على الأشبه به من ذلك من أنباء الإمام إذا صلى بالرجل الواحد أقامه عن يمينه ، وإذا صلى بالثلاثة الرجال أقامهم خلفه ، وإذا صلى بالرجلين أقامهما خلفه ، كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجرى العمل عليه من بعده  [ ص: 157 ]  . 
فلما كان مقام الرجلين خلف الإمام كمقام الثلاثة الرجال خلف الإمام ، لا كمقام الرجل الواحد ، كان حكم الرجلين أيضا في الجماعة كحكم الثلاثة فيها ، لا كحكم الواحد ، غير أن  أبا حنيفة  رحمه الله ، قال : كان  عبد الله بن مسعود  يذهب في مقام الرجلين في الصلاة مع الإمام إلى أن يكون أحدهما عن يمينه ، والآخر عن شماله . 
قال : فلما كان مقام الرجلين فيما ذكرنا مختلفا فيه على ما وصفنا ، لم ننقلهما بذلك عن حكم الواحد ، ونقلنا الثلاثة عن حكم الواحد للإجماع على مقامهم خلف الإمام ، والقول الذي حكيناه عن  أبي يوسف  رحمه الله ومحمد  في ذلك أحب إلينا من قوله هذا ، والله الموفق . 
				
						
						
