ولما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن حديث  ابن عمر  أن نزول هذه الآية التي تلونا في هذا المعنى دل ذلك على أن المسافر المصلي للتطوع على راحلته خارج من المخاطبين في تلك الصلاة ، لقول الله - عز وجل - : ( وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره   ) ، ولم يبين لنا في شيء من هذه الآثار التفرقة في الإيماء بالركوع والسجود ، ولكنا وجدناه في غيرها ، وذلك أن عبيد بن محمد :  
 264  - حدثنا ، قال : حدثنا  إبراهيم بن محمد الشافعي ،  قال : حدثنا الحارث بن عمير ،  عن أيوب ،  عن  نافع ،  عن  ابن عمر ،  قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع " .  
وهكذا ينبغي للمومئ في هذه الصلاة وفي غيرها من الصلوات التي فرضه فيها الإيماء أن يجعل الإيماء للركوع دون الإيماء للسجود ، ليتبين البدل من كل واحد منهما من البدل من صاحبه ، وفي ذلك دليل أن القعود الذي يكون في الصلاة بدلا من القيام فيها بخلاف القعود الذي هو القعود للتشهد ، فيكون القعود البدل من القيام تربعا ، ويكون القعود للتشهد على ما عليه القعود للتشهد ، وهكذا كان  أبو حنيفة ،   وأبو يوسف ،  ومحمد ،  يقولون في هذا وأما  زفر بن الهذيل  فكان عنده أن القعود البدل من القيام كهيئة القعود للتشهد سواء ، والقول في ذلك عندنا القول الأول . وقد روي ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما : 
 265  - حدثنا  أحمد بن شعيب ،  قال : حدثني  هارون بن عبد الله يعني : الحمال ،  قال : حدثنا  أبو داود الحفري ،  عن حفص ،  عن  حميد ،  عن عبد الله بن شقيق ،  عن  عائشة  رضي الله عنها ، قالت : " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعا "   . 
قال لنا  أحمد بن شعيب :  لا نعلم أحدا روى هذا الحديث عن حفص  غير  أبي داود   [ ص: 164 ]  . 
 266  - وحدثنا  إسحاق بن إبراهيم بن يونس ،  قال : حدثنا  هارون بن عبد الله الحمال ،  قال : حدثنا  أبو داود الحفري ،  عن حفص ،  قال إسحاق : وهو ابن غياث ،  عن  حميد ،  قال إسحاق وهو الطويل ،  عن عبد الله بن شقيق ،  عن  عائشة  رضي الله عنها ، قالت : " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعا   " . 
قال  أبو جعفر :  وقد روي ذلك أيضا عن  أم سلمة ،  وعن  أم الدرداء  من أفعالهما كما : 
 267  - حدثنا  ابن أبي داود ،  قال : حدثنا  يوسف بن عدي ،  قال : حدثنا  عباد بن عباد المهلبي ،  عن  عاصم ،   وهشام بن حسان ،  عن  الحسن ،  عن أمه : أنها " رأت  أم سلمة  رضي الله عنها تصلي متربعة من رمد كان بها " .  
 268  - حدثنا فهد ،  قال : حدثنا المعلى بن الوليد القعقاعي ،  قال : حدثنا هانئ بن عبد الرحمن ،  قال : قال إبراهيم بن أبي عيلة :   " رأيت  أم الدرداء  تصلي متربعة "   . 
وقد روي عن  ابن مسعود  في ذلك ما يدل على أن مذهبه فيه كان خلاف التربيع . 
 269  - حدثنا سليمان بن شعيب ،  قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ،  قال : حدثنا  عبد العزيز بن مسلم القسملي ،  عن حصين ،  عن الهيثم بن شهاب ،  قال : قال  عبد الله :   " لأن أجلس على رضفين أحب إلي من أن أتربع في الصلاة " . 
واختلف أهل العلم في هذه الصلاة على الراحلة  بالإيماء للمسافرين في الأمصار ، فكان  أبو حنيفة  رحمه الله ، يقول : ليس لهم أن يصلوها كذلك إلا في البوادي . 
وقال  أبو يوسف   : لهم أن يصلوا كذلك في البوادي والأمصار جميعا ، وقال : 
 270  - حديث أخبرنا حذيفة ،  أن  يحيى بن سعيد  حدثني ، أنه رأى  أنس بن مالك   " يصلي على راحلته في بعض سكك المدينة   "  لما سمعت منه هذا القول في ذلك عندما قال  [ ص: 165 ]  أبو يوسف  وما رواه عن  أنس بن مالك  فيه : لأن دخول المسافرين الأمصار لا يخرجهم من السفر . ألا ترى أنهم يقصرون الصلاة في الأمصار كهم في قصرها في البوادي ، كانوا في سائر ما يفعلون فيها في الأمصار كهم فيما يفعلون فيها في البوادي . 
				
						
						
