تأويل قوله تعالى : ( فصل لربك وانحر   )  
قال الله - عز وجل - : ( فصل لربك وانحر   ) ، وكانت الصلاة والنحر المذكوران في هذه الآية من المتشابه المختلف في المراد به ما هو ؟ 
فذهب غير واحد من أهل العلم إلى أن المراد بالصلاة في هذا : صلاة يوم النحر ، وأن المراد في هذا ما ينحر يوم النحر من الضحايا والهدايا التي يتقرب بها إلى الله - عز وجل - ، ورووا في ذلك ما : 
 320  - حدثنا أحمد بن داود ،  قال : حدثنا إسماعيل بن سالم ،  عن هشيم ،  قال : أخبرنا  [ ص: 184 ] الحجاج ،  عن  عطاء يعني : ابن أبي رباح ،   وعطاء بن السائب ،  عن  سعيد بن جبير   "  ( فصل لربك وانحر   ) قالا : " الصلاة صلاة يوم النحر ، والنحر نحر البدن بمنى   " .  
 321  - حدثنا  أبو بكرة ،  قال حدثنا  أبو عاصم ،  قال : حدثنا عوف ،  عن  الحسن   "  ( فصل لربك وانحر   ) قال : " هو النحر " .  
 322  - حدثنا أحمد بن داود ،  قال : حدثنا مسدد ،  قال : حدثنا  يحيى بن سعيد ،  عن سفيان ،  عن  أبي نجيح ،  عن  مجاهد   "  ( وانحر   ) قال : " مناحر الإبل بمنى   " .  
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن المراد بالصلاة في هذا : الصلوات ، وإلى أن المراد بالنحر فيه : وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة . ورووا ذلك عن  علي بن أبي طالب -  رضي الله عنه - . 
 323  - حدثنا  أبو بكرة ،  قال : حدثنا  أبو عمرو الضرير ،  قال : أخبرنا  حماد بن سلمة ،  أن عاصما الجحدري  أخبرهم ، عن أبيه ، عن  علي بن أبي طالب ،  كرم الله وجهه ، في قوله : ( فصل لربك وانحر   )  قال : " وضع يده اليمنى على الساعد الأيسر ، ثم وضعهما على صدره " . 
 324  - حدثنا  أبو بكرة ،  قال : حدثنا مؤمل ،  قال : حدثنا  حماد بن سلمة ،  قال : حدثنا عاصم الجحدري ،  عن عقبة بن صهبان ،  عن علي -  رضي الله عنه - ، في قوله - عز وجل - : ( فصل لربك وانحر   )  ، قال : " وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " . 
 325  - حدثنا أحمد بن داود ،  قال : حدثنا مسدد ،  قال : حدثنا  عبد الله بن داود ،  عن يزيد بن أبي الجعد ،  عن عاصم الجحدري ،  عن عقبة بن ظهير ،  عن علي -  رضي الله عنه - ، في قوله : ( فصل لربك وانحر   )  قال : " وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " . 
ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه ، فرأينا ما أمر به القرآن يكون على الإيجاب مثل قوله - عز وجل - : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول   ) ، ومثل قوله : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة   ) . 
ويكون على الندب والحض على الخير ، لقوله - عز وجل - : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا   )  [ ص: 185 ] ، وكقوله : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم   ) . 
ويكون على إباحة ما قد كان حظره قبل ذلك ، كقوله - عز وجل - : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله   ) ، وكقوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا   ) . 
وكأن قوله : ( فصل لربك وانحر   ) لا يخلو إما أن يكون معناه على واحد من هذه المعاني إما فريضة ، وإما على الندب والحض على الخير ، وإما على الإباحة ، وكل واحد من هذه المعاني لا يسمى سنة ، ولا اختلاف علمناه بين أهل العلم في أن صلاة يوم النحر سنة ، والنحر فيها أيضا سنة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . 
 326  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  أبو داود ،   ووهب بن جرير ،  قالا : حدثنا  شعبة ،  عن زبيد الأيامي ،  قال : سمعت  الشعبي ،  يحدث عن  البراء بن عازب ،  قال : خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أضحى إلى البقيع ،  فبدأ فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : " أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله ، ليس من النسك في شيء " .  
وإذا كانت صلاة العيد سنة  دل ذلك على أنها لم يؤمر بها في الكتاب ، وأن المراد بالآية التي تلونا غير هذا إذ كان ما يؤمر به في الكتاب لا يقال له سنة ، ولما لم يكن في هذه الآية التي تلونا غير هذين التأويلين اللذين ذكرنا علمناه فانتفى أحدهما وثبت الآخر . 
				
						
						
