1068 - 4 حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم ، حدثنا عيسى بن جعفر الوراق ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم أبو هشام [ ص: 1622 ] الصنعاني ، قال : حدثني عبد الصمد بن معقل ، قال : سمعت - رحمه الله تعالى - يقول : وهب بن منبه ، آدم - عليه السلام - كما شاء ، وبما شاء ، فكان كذلك ، فتبارك الله أحسن الخالقين . خلق من التراب ، والماء ، فمنه لحمه ، ودمه ، وشعره ، وعظمه ، وجسده كله ، فهذا بدء الخلق الذي خلق الله عز وجل منه آدم ، ثم جعلت فيه النفس ، فبها يقوم ، ويقعد ، ويسمع ، ويبصر ، ويعلم ما تعلم الدواب ، ويتقي ما يتقي ، ثم جعل فيه الروح ، فبه عرف الحق من الباطل ، والرشد من الغي ، وبه حذر ، وتقدم ، واستتر ، وتعلم ، ودبر الأمور كلها ، فمن التراب يبوسته ، ومن الماء رطوبته ، فهذا بدء الخلق الذي خلق الله عز وجل منه " خلق الله عز وجل آدم بما أحب أن يكون ، ثم جعل فيه من هذه الفطر الأربع أنواعا من الخلق أربعة في جسد ابن آدم ، فهي قوام جسده ، وملاكه بإذن الله تعالى ، وهي المرة السوداء ، والمرة الصفراء ، والدم ، والبلغم ، فيبوسته وحرارته من النفس ، ومسكنها في الدم ، وبرودته من قبل الروح ، ومسكنه في البلغم ، فإذا اعتدلت هذه الفطر في الجسد ، فكان من كل واحد ربما كان جسدا كاملا ، وجسما صحيحا ، وإن كثر واحد منها على صاحبته علاها وقهرها ، وأدخل عليها [ ص: 1623 ] السقم من ناحيته ، وإن قل واحد منها غلبت عليه وقهرته ، ومالت به ، فضعف عن قوتها ، وعجز عن طاقتها ، وأدخل عليها السقم من ناحيته ، والطبيب العالم بالداء والدواء يعلم الجسد من حيث أتى سقمه : أمن نقصان أم من زيادة ، ويعلم الداء الذي به يعالجه : أينقص منه إن كان زائدا ، أو يزيد فيه إن كان ناقصا ، يقيمه على فطره ، ويعدله مع أقرانه ، ثم تصير كما ذكرت لك من هذا الخلق فطرا ، بني عليها أخلاق ابن آدم ، وبها يعرف أو يعرف ، فمن اليبوسة العزم ، ومن الرطوبة اللين ، ومن الحرارة الحدة ، ومن البرودة الأناة ، فإن مالت به اليبوسة كان عزمه قساوة ، فإن مالت به الرطوبة كان لينه مهانة ، وإن مالت به الحرارة كان حدته طيشا ، وإن مالت به البرودة كانت أناته رينا : أي هذه الأخلاق زاد عليها علاها وقهرها ، وأدخل عليها العيب من ناحيته ، وأيها قل عنها غلبت عليه الأخلاق ، ومالت به ، وأدخلت عليه العيب من ناحيته ، وإن اعتدلت أخلاقه واستقامت كان عازما في أمره ، لينا في عزمه ، حادا في لينه ، متوانيا في جده ، لا يغلبه خلق من أخلاقه ، ولا يميل به ، من أيها شاء [ ص: 1624 ] استكثر ، ومن أيها شاء أقل ، ومن أيها شاء عدل . يعلم كل خلق منها إذا علا بأي شيء يمزجه ، فأخلاقه معتدلة كما يحب أن تكون ، فمن التراب قساوته ، وحصره ، وبخله ، وفظاظته ، وندمه ، وشحه ، ويأسه ، وقنطه ، وعزمه ، وإصداده ، ومن الماء لينه ، وتوسعه ، وعطاؤه ، وكرمه ، وترسله ، وسماحته ، ورجاؤه ، واستبشاره ، وقبوله ، وقربه ، فإذا خاف ذو العقل أن يغلب عليه يبوسة التراب ، وتميل به ، قرن بكل خلق منها خلقا من أخلاق الماء يقومه ، فقرن بالقساوة اللين ، وبالحصر التوسع ، وبالبخل العطاء ، وبالفظاظة الكرم ، وبالبرم الترسل ، وبالشح السماح ، وباليأس الرجاء ، وبالقنط الاستبشار ، وبالعزم القبول ، وبالإصداد القرب . فمن النفس حدته ، وخفته ، وشهوته ، ولعبه ، ولهوه ، وضحكه ، وسفهه ، وجده ، وعنفه ، وخوفه . ومن الروح حلمه ، ووقاره ، وعفافه ، وحياؤه ، وبهاؤه ، وتكرمه ، وصدقه ، ورفقه ، وصبره ، فإذا خاف ذو العقل أن تغلب عليه نفسه ، وتميل به ألزم كل [ ص: 1625 ] خلق منها خلقا من أخلاق الروح يقومه ، فقرن بالحدة الحلم ، وبالخفة الوقار ، وبالشهوة العفاف ، وباللعب الحياء ، وباللهو النهى ، وبالضحك الهم ، وبالسفه التكرم ، وبالجزع الصدق ، وبالعنف الرفق ، ثم يجمع فيه أربعة تقرن إلى أخلاقه : الغضب ، والرهبة ، والشهوة ، والرغبة ، ثم يقرن إليها أربعة هي قوامها : الإيمان ، والهوى ، والرأي ، والعقل ، فالهوى يدعو إلى الردى ، والإيمان ينهاه ، وبالرأي يدبر ابن آدم ، فإذا دعاه إليه هواه نهاه عنه إيمانه ، ثم العقل رأس ذلك ، وقوامه ، فإن أبى العقل على الهوى ، وصلب له ، عرف من فضل ما دعاه إليه الإيمان على ما دعاه إليه الهوى ، وكان الإيمان متتابعا ، وكان أمرهما جامعا ، استكان الهوى عند ذلك ، وهنالك يقوى إيمان ابن آدم ، ويعزم أمره ، وإن ضعف العقل ، وتابع الهوى وهن الإيمان ، وفزع الرأي ، فكان متروكا لا عمل له ، وهنالك يقوى الهوى ، ويبلغ حاجته ، وبالرأي يدبر الأمر ابن آدم ، وبالعقل يعتبر ، والهوى يدعوه ، والإيمان يردعه ، فإذا اجتمع العقل ونهي الإيمان كان كلاما صليبا ، وكان أمرهما جميعا ، ودبر الرأي لهما أمورهما ، وكان لهما عليه وزيرا ، ثم كان الهوى تابعا ، إذا دعي إلى خير أجاب مذعنا يعلم أن قد اجتمع عليه من هذه الأخلاق ما لا طاقة له به ، فهو تارك لشهوته ، مفارق لأخلاقه ، يتزين بهذه الأخلاق لصحتها ، وهو كاذب لو ترك هواه ، فارق ما هو فيه أشد المفارقة " . [ ص: 1626 ]