949 - 2 حدثنا أبو علي المصاحفي ، حدثنا ابن البراء ، حدثنا عبد المنعم ، عن أبيه ، عن وهب ، - رحمه الله تعالى - قال : ثم لحظ لحظة أخرى ، فكاد أن يزول من مكانه ، ثم لحظ لحظة أخرى ، فكاد أن يهد من خوفه ، وإنما فعل ذلك ليعرفه نفسه ، وليلهمه ربوبيته ، فعرفه الخلق يومئذ معرفة ، لا ينبغي له ، أن ينكره بعدها أبدا ، وذل له الخلق يومئذ ذلا لا ينبغي أن يعازه بعدها أبدا ، ودخله من الخوف يومئذ خوف لا يخرج منه أبدا ، [ ص: 1436 ] وأقر له بالملكة يومئذ قرارا لا ينبغي له أن يستنكف عنه بعدها أبدا ، ثم صارت تلك المعرفة وراثة ، فيما يكون من النسل بعد ذلك إلى يوم القيامة " . " إن الله - تبارك وتعالى - لما خلق خلقه لحظ لحظة ، فرجف من قواعده ،
وذكر وهب - رحمه الله تعالى - : فمدح نفسه - عز وجل - بما هو أهله ، فمدحها وذكر عظمته وجبروته وكبرياءه وجلاله وسلطانه ، وقدرته وملكه وربوبيته ، فأنصت له كل شيء ، وأطرق كل شيء من خوفه ، ومن أجل ذلك جعل يوم السبت عيدا لأهل التوراة ، يذكرونه ويسبحونه ويعظمونه ويصلون له ، ومن أجل ذلك أمرهم أن يتفرغوا له ، ويفرغوا له أهلهم ، ولا يكون لهم في ذلك اليوم عمل ، إلا ذكره وصلاته وتسبيحه ، فلم يكن في ذلك الزمان يوم من أيام الدنيا ، أعظم عند الله - عز وجل - حرمة من يوم السبت ؛ لأنه فرغ فيه من جميع خلقه ، حتى جاء الله - عز وجل - بالإسلام ، فألزم به أهله ، فاختار لهم الجمعة ، " أن الله - عز وجل - لما فرغ من خلقه يوم الجمعة ، أقبل على الكلام يوم السبت ، . فليس أمة من الأمم أعظم عند الله - عز وجل - فضلا من هذه الأمة "
قال : وذكر وهب - رحمه الله تعالى - : " إن الله - تبارك وتعالى - أقبل على الكلام يوم السبت حين فرغ من خلقه ، قال : " إني أنا الله لا إله إلا أنا ، ذو العرش المجيد ، والأمثال العلى ، إني أنا الله لا إله إلا أنا ، ذو الرحمة الواسعة ، والأسماء الحسنى ، إني أنا الله لا إله إلا أنا ، ذو المن والطول ، والآلاء والكبرياء ، إني أنا الله لا إله إلا أنا ، بديع السماوات والأرض وما فيهن ، ومقيم السماوات والأرض وما فيهن ، وجبار السماوات والأرض وما فيهن ، ملأت كل شيء عظمتي ، وقهرت كل شيء ملكتي ، وأحاطت بكل شيء قدرتي ، وأحصى كل شيء علمي ، ووسعت كل شيء رحمتي ، وبلغ كل [ ص: 1437 ] شيء لطفي ، وأفنى كل شيء طول حياتي ، فأنا الله يا معشر الخلائق ! ، فاعرفوا مكاني ، فإنه ليس في السماوات والأرض إلا أنا ، وخلق لا يقوم ولا يدوم إلا بي ، يتقلب في قبضتي ، ويعيش في رزقي ، وحياته وموته وبقاؤه ، وفناؤه بيدي ، وليس له مخلص ، ولا ملجأ غيري ، ولو تخليت منه إذا لدمر كله ، وإذا كنت على حالي لا ينقصني ذلك شيء ، ولا يزيدني ، ولا يمدني فقره ، ولا يكرثني ، أنا مستغن بالغناء كله ، في جبروت ملكي ، وعزة سلطاني ، وبرهان نوري ، وسر وحدتي ، وقوة توحدي ، وسعة بطشي ، وعلو مكاني ، وعظمة شأني ، فلا شيء يثقلني ، ولا إله غيري ، ولا شيء يعدلني ، وليس ينبغي لشيء خلقته أن ينكرني ، ولا يكابرني ، ولا يعاذني ، ولا يخرج من قدرتي ، ولا يريم قبضتي ، ولا يستنكف عن عبادتي ، ولا يعدل بي ، وكيف ينكرني من جبلته يوم خلقته على معرفتي ؟ أم كيف يكابرني من قد قهرته بملكتي ؟ فليس له خالق ولا رازق ، ولا باعث ولا وارث غيري ، أم كيف يعازني من ناصيته بيدي ؟ أم كيف يعدل بي من أفني عمره ، وأسقم جسمه ، وأنقص عقله وقوته ، وأتوفى نفسه ، وأخلقه وأهرمه فلا يمتنع ؟ أم كيف يستنكف عن عبادتي عبدي ، وابن عبدي ، وابن أمتي ، وملكي ، وطوع يدي ، لا ينتسب إلى خالق ولا وارث غيري ؟ أم كيف يعبد دوني من تخلقه الدنيا ، ويفني أجله اختلاف الليل والنهار ، [ ص: 1438 ] وهما شعبة يسيرة من سلطاني ؟
فإلي إلي يا أهل الموت والفناء ! ، إلي لا إلى غيري ، فإني كتبت الرحمة على نفسي ، وقضيت العفو ، والمغفرة لمن استغفرني ، أغفر الذنوب جميعا ، صغيرها وكبيرها ، ولا يكبر علي ذلك ، ولا يتعاظمني ، فلا تلقوا بأيديكم ، ولا تقنطوا من رحمتي ، فإن رحمتي سبقت غضبي ، وخزائن الخير كلها بيدي ، لم أخلق شيئا مما خلقت لحاجة كانت بي إليه ؛ ولكن لأبين به قدرتي ، ولأعرف به الناظرين نفسي ، ولينظر الناظرون في ملكي ، وتدبير حكمي ؛ وليدين الخلائق كلها لعزتي ، ويسبح الخلق كله بحمدي ، ولتعن الوجوه كلها لوجهي " . [ ص: 1439 ]