باب ذكر اللفظية والتحذير من رأيهم ومقالاتهم
واعلموا رحمكم الله أن الجهمية اعتقدوا بمكر قلوبهم ، وخبث آرائهم ، وقبيح أهوائهم ، أن القرآن مخلوق ، فكنوا عن ذلك ببدعة اخترعوها ، تمويها وبهرجة على العامة ، ليخفى كفرهم ، ويستغمض إلحادهم على من قل علمه ، وضعفت نحيزته ، فقالوا : إن صنفا من وهذا الذي نتلوه ونقرؤه بألسنتنا ، ونكتبه في مصاحفنا ليس هو القرآن الذي هو كلام الله ، هذا حكاية لذلك ، فما نقرؤه نحن حكاية لذلك [ ص: 318 ] القرآن بألفاظنا نحن ، وألفاظنا به مخلوقة ، فدققوا في كفرهم ، واحتالوا لإدخال الكفر على العامة بأغمض مسلك ، وأدق مذهب ، وأخفى وجه ، فلم يخف ذلك بحمد الله ومنه وحسن توفيقه على جهابذة العلماء والنقاد العقلاء ، حتى بهرجوا ما دلسوا ، وكشفوا القناع عن قبيح ما ستروه ، فظهر للخاصة والعامة كفرهم وإلحادهم ، وكان الذي فطن لذلك وعرف موضع القبيح منه الشيخ الصالح ، والإمام العالم العاقل القرآن الذي تكلم الله به وقاله ، فهو كلام الله غير مخلوق ، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله ، وكان بيان كفرهم بينا واضحا في كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد كذبهم القرآن والسنة بحمد الله ، قال الله عز وجل : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله .
ولم يقل : حتى يسمع حكاية كلام الله .
وقال تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ، فأخبر أن السامع إنما يسمع إلى القرآن ، ولم يقل : إلى حكاية القرآن .
وقال تعالى : وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا .
وقال عز وجل : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن . [ ص: 319 ]
وقال تعالى : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به .
ولم يقل : إنا سمعنا حكاية قرآن عجب .
وقال تعالى : فاقرؤوا ما تيسر من القرآن .
وقال تعالى : وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده .
وقال تعالى : وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين .
ولم يقل : من حكاية القرآن .
ومثل هذا في القرآن كثير ، من تدبره عرفه .