الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                من مات على الكفر أبيح لعنه .

                إلا والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 240 ] لثبوت أن الله - تعالى - أحياهما له حتى آمنا به .

                كذا في مناقب الكردري

                [ ص: 240 ]

                التالي السابق


                [ ص: 240 ] قوله : لثبوت أن الله - تعالى - أحياهما له حتى آمنا به إلخ .

                يعني لثبوت ذلك في حديث ذكره غير واحد من الحفاظ ، ولم يلتفتوا لمن طعن فيه ، وهو أن الله - تعالى - أحياهما له فآمنا به خصوصية لهما ومحل كون الإيمان لا ينفع بعد الموت في غير الخصوصية وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام ردت عليه الشمس بعد مغيبها فعاد الوقت حتى صلى العصر أداء كرامة له صلى الله عليه وسلم فكذا هذا كذا في شرح الهمزية لابن حجر الهيثمي هذا واعلم أن السلف اختلفوا في أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم هل ماتا على الكفر أم لا فذهب إلى الأول جمع منهم صاحب التيسير وذهب إلى الثاني جماعة منهم متمسكين بأحاديث دالة على طهارة نسبه الشريف عليه الصلاة والسلام من دنس الشرك وشين الكفر ، ونفر من الجميع الأول قالوا بنجاتهما من النار منهم الإمام القرطبي فإنه قال : إن الله - تعالى - أحياهما له عليه الصلاة والسلام وآمنا به فإن قلت : أليس الحديث الذي ورد في إحيائهما موضوعا ؟ قلت : زعمه بعض الناس إلا أن الصواب أنه ضعيف لا موضوع ولقد أحسن الحافظ ناصر الدين الدمشقي حيث قال :

                حبا الله النبي مزيد فضل على فضل فكان به رءوفا فأحيا أمه وكذا أباه
                لإيمان به فضلا لطيفا فسلم فالقديم به قدير
                وإن كان الحديث به ضعيفا

                نص على كون الحديث المذكور ضعيفا لا موضوعا وقال الحافظ ابن سيد الناس في السيرة روي { أن عبد الله بن عبد المطلب وآمنة بنة وهب أبوي النبي صلى الله عليه وسلم أسلما وأن الله - تعالى - أحياهما له فآمنا به ، وروي ذلك أيضا في حق جده عبد المطلب } ثم قال : وهو مخالف لما أخرجه أحمد عن أبي رزين العقيلي قال : { قلت يا رسول الله أين أمي فقال أمك في النار قلت فأين من مضى من أهلك قال أما ترضى أن تكون أمك مع أمي } ثم قال : وذكر بعض أهل العلم في الجمع ما حاصله أن من الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له عليه الصلاة والسلام بعد أن لم تكن ، وأن يكون الإحياء والإيمان متأخرا عن ذلك فلا معارضة انتهى ملخصا .

                وسأل القاضي أبو بكر بن العربي أحد الأئمة المالكية [ ص: 241 ] عن رجل قال : إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار فأجاب بأنه ملعون ; لأن الله تعالى يقول { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة } قال : ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه : إنه في النار .

                وقال الإمام السهيلي في الروض الأنف : وليس لنا نحن أن نقول ذلك في أبويه صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات } .

                والله تعالى يقول { إن الذين يؤذون الله ورسوله } الآية وقد أمرنا أن نمسك اللسان إذا ذكر أصحابه رضي الله عنهم بشيء يرجع ذلك إلى العيب والنقص فيهم فلأن نمسك ونكف عن أبويه أحق وأحرى إذا تقرر هذا فحق المسلم أن يمسك لسانه عما يخل بشرف نبيه عليه الصلاة والسلام بوجه من الوجوه ولا خفاء في أن إثبات الشرك في أبويه إخلال ظاهر بشرف نسب نبيه الطاهر فجملة هذه المسألة ليست من الاعتقادات فلا حظ للقلب منها ، وأما للسان فحقه الإمساك عما يتبادر منه النقصان خصوصا إلى وهم العامة ; لأنهم لا يقدرون على دفعه وتداركه هذا خلاصة ما في هذا المقام من الكلام ، والله ولي الفضل والإنعام




                الخدمات العلمية