باب في قسمة غنائم حنين وما جرى فيها
ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الجعرانة : موضع قريب من حنين . وكان قد استأنى بقسمة الغنائم رجاء أن يسلموا ويرجعوا إليه. فلما قسمت الغنائم هنالك أتاه وفد هوازن مسلمين راغبين في العطف عليهم والإحسان إليهم، فقال لهم: قد كنت استأنيت بكم وقد وقعت المقاسم، وعندي ما ترون فاختاروا: إما ذراريكم ونساءكم وإما أموالكم، فاختاروا العيال والذرية وقالوا: لا نعدل بالأنساب شيئا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صليت الظهر فتكلموا واطلبوا حتى أكلم الناس في أمركم. فلما صلى الظهر تكلموا، وقالوا: نستشفع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين. فقال النبي - عليه السلام - أما ما كان لي ولبني عبد المطلب وبني هاشم فهو لكم، وقال المهاجرون والأنصار: أما ما كان لنا فهو لرسول الله - عليه السلام - وامتنع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن في قومهما أن يردوا عليهم شيئا مما وقع لهم في سهامهم. وامتنع العباس بن مرداس السلمي وطمع أن يساعده قومه كما ساعد الأقرع بن حابس وعيينة قومهما فأبت بنو سليم وقالوا: بلى ما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - عليه السلام - من ضن منكم بما في يديه فإنا نعوضه منه.
فرد عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءهم وأبناءهم وعوض من لم تطب نفسه بترك نصيبه أعواضا رضوا بها. وكان عدد سبي هوازن ستة آلاف إنسان فيهم الشيماء أخت [ ص: 231 ] النبي - عليه السلام - من الرضاعة وهي بنت الحارث بن عبد العزى من بني سعد بن بكر [ بن هوازن ] بنت حليمة السعدية، فأكرمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعطاها، ورجعت إلى بلادها مسرورة بدينها وبما أفاء الله عليها.
وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأموال بين المسلمين. وأعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس أو من جملة الغنيمة على مذهب من رأى أن ذلك إلى اجتهاد الإمام، وأن له أن ينفل في البدأة والرجعة [ حسب ] ما رآه بظاهر قول الله تعالى: ( قل الأنفال لله والرسول ) يحكم فيها بما أراه الله. وليس ذلك لغيره - صلى الله عليه وسلم - بظاهر قوله عز وجل: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) . وللقول في تلخيص ذلك مواضع غير هذا.