روى سفيان الثوري ومعمر بن كراع عن ، عن أبيه، عن جده، عن سعد بن إبراهيم ، قال: سعد بن أبي وقاص رأيت عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن شماله رجلين عليهما ثياب بيض يوم أحد لم أرهما قبل ولا بعد.
[ ص: 151 ] وانهزم قوم من المسلمين يومئذ، منهم ، فعفا الله عنهم ونزل فيهم: ( عثمان بن عفان إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ) - الآية وكان الحسيل بن جابر العبسي - وهو اليمان والد حذيفة بن اليمان - وثابت بن وقش شيخين كبيرين قد جعلا في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه: ما بقي من أعمارنا؟! فلو أخذنا سيوفنا ولحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا الشهادة. وفعلا ذلك، فدخلا في جملة المسلمين. فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما الحسيل فظنه المسلمون من المشركين فقتلوه خطأ، وقيل إن الذي قتله . وكان عتبة بن مسعود يصيح والمسلمون قد علوا أباه: أبي أبي! ثم تصدق بديته على المسلمين. حذيفة
وكان مخيريق أحد بني ثعلبة بن الفطيون من اليهود قد دعا اليهود إلى نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم حق، فقالوا له: إن اليوم السبت، فقال: لا سبت لكم. وأخذ سلاحه، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتل معه حتى قتل، وأوصى: أن ماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقال إن بعض صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من مال مخيريق.
وكان الحارث بن سويد بن الصامت منافقا لم ينصرف مع عبد الله بن أبي في حين انصرافه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعته عن غزاة أحد، ونهض مع المسلمين، فلما التقى المسلمون والمشركون بأحد عدا على المجذر بن ذياد البلوي وعلى قيس بن زيد أحد بني ضبيعة، فقتلهما وفر إلى الكفار - وكان المجذر قد قتل في الجاهلية سويد بن الصامت والد الحارث المذكور في بعض حروب الأوس والخزرج - ثم لحق مع الكفار الحارث بن سويد بمكة ، فأقام هناك ما شاء الله، ثم حينه الله فانصرف إلى المدينة إلى قومه. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء، نزل جبريل عليه السلام، فأخبره أن قد قدم فانهض إليه، واقتص منه لمن قتله من المسلمين غدرا يوم أحد. فنهض رسول الله [ ص: 152 ] صلى الله عليه وسلم إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه، فخرج إليه الأنصار أهل قباء في جماعتهم وفي جملتهم الحارث بن سويد وعليه ثوب مورس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن سويد عويم بن ساعدة، فضرب عنقه وقال الحارث: لم يا رسول الله؟ فقال: بقتلك المجذر بن ذياد وقيس بن زيد. فما راجعه بكلمة وقدمه عويمر، فضرب عنقه. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل عندهم.
وكان عمرو بن ثابت بن وقش من بني عبد الأشهل يعرف بالأصيرم يأبى الإسلام. فلما كان يوم أحد قذف الله الإسلام في قلبه للذي أراد من السعادة به. فأسلم وأخذ سيفه ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقاتل حتى أثبت بالجراح ولم يعلم أحد بأمره. ولما انجلت الحرب طاف بنو عبد الأشهل في القتلى يلتمسون قتلاهم، فوجدوا الأصيرم وبه رمق لطيف، فقالوا: والله إن هذا الأصيرم ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الأمر. ثم سألوه: يا عمرو ما الذي جاء بك إلى هذا المشهد؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله، ثم قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ حتى أصابني ما ترون. فمات من وقته، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ] فقال: هو من أهل الجنة. ولم يصل صلاة قط.
وكان في بني ظفر رجل لا يدرى ممن هو يقال له قزمان أبلى يوم أحد بلاء شديدا، وقتل يومئذ سبعة من وجوه المشركين، وأثبت جراحا، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره، فقال: هو من أهل النار. وقيل لقزمان: أبشر بالجنة، فقال: بماذا؟ وما قاتلت إلا عن أحساب قومي. ثم لما اشتد عليه ألم الجراح أخرج سهما من كنانته، فقطع به بعض عروقه، فجرى دمه حتى مات، ومثل بقتلى المسلمين. وأخذ الناس ينقلون قتلاهم بعد انصراف قريش ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا في مضاجعهم بدمائهم وثيابهم لا يغسلون [ ص: 153 ] .