92 - فصل
[
nindex.php?page=treesubj&link=8733_33766المتوكل وأهل الذمة ]
وأما
المتوكل فإنه صرف أهل الذمة من الأعمال ، وغير زيهم في
[ ص: 468 ] مراكبهم وملابسهم ، وذلك أن المباشرين منهم للأعمال كثروا في زمانه وزادوا على الحد ، وغلبوا على المسلمين لخدمة أمه وأهله وأقاربه ، وذلك في سنة خمس وثلاثين ومائتين ، فكانت الأعمال الكبار كلها أو عامتها إليهم في جميع النواحي ، وكانوا قد أوقعوا في نفس
المتوكل من مباشري المسلمين شيئا وأنهم بين مفرط وخائن ، وعملوا عملا بأسماء المسلمين وأسماء بعض الذمة لينفوا التهمة وأوجبوا باسم كل واحد منهم مالا كثيرا ، وعرض على
المتوكل فأغري بهم وظن ما أوجبوا من ذلك حقا ، وأن المال في جهاتهم كما أوجبوه ، ودخل
سلمة بن سعيد النصراني على
المتوكل وكان يأنس به ويحاضره فقال : يا أمير المؤمنين أنت في الصحاري والصيد ، وخلفك معادن الذهب والفضة ، ومن يشرب في آنية الذهب والفضة ويملؤها ذهبا عوضا عن الفاكهة .
[ ص: 469 ] فقال له
المتوكل : عند من ؟ فقال : عند
الحسين بن مخلد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12222وأحمد بن إسرائيل ،
وموسى بن عبد الملك ،
وميمون بن هارون ،
ومحمد بن موسى ، وكل واحد من هؤلاء اسمه ثابت في العمل المقدم ذكره المرفوع
للمتوكل ، فقال له
المتوكل : ما تقول في
عبيد الله بن يحيى ؟ فسكت ، فقال : بحياتي عليك قل لي ما عندك ، فقال : قد حلفتني بحياتك ولا بد لي من صدقك على كل حال ، والله يا أمير المؤمنين لقد صاغ له صوالجة وأكرمن ثلاثين ألف دينار ، فقلت له : أمير المؤمنين يضرب كرة من جلود بصولجان من خشب وأنت تضرب كرة من فضة بصولجان من فضة ! ! فالتفت
المتوكل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14886الفتح بن خاقان وقال : ابعث فأحضر هؤلاء ، وضيق عليهم . فحضرت جماعة الكتاب وعلموا ما وقعوا فيه من الكافر ، فاجتمعوا إلى
عبيد الله بن يحيى فأنفذ معهم كاتبه إلى
سلمة ، وعاتبه فيما جرى منه ،
[ ص: 470 ] فحلف إنني لم أفعل ما فعلته إلا على سكر ، ولم أقل ما قلته عن حقيقة فأخذ خطه بذلك ، فدخل
عبيد الله بن يحيى على
المتوكل وعرفه مأثمة أهل الذمة على المسلمين وغيرهم ، وأوقفه على خط
سلمة وقال : هذا قصده أن يخلو أركان دولة أمير المؤمنين من الكتاب المسلمين ، ويتمكن هو ورهطه منها .
وكان
المتوكل قد جعل في موكبه من يأخذ المتظلمين ويحضرهم بين يديه على خلوة ، فأحضر بين يديه شيخ كبير ، فذكر أنه من
أهل دمشق ، وأن
سعيد بن عون النصراني غصبه داره ، فلما وقف
المتوكل على قصة الشيخ اشتد غضبه إلى أن كادت تطير أزراره ، وأمره أن يكتب إلى صالح عامله برد داره .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14886الفتح بن خاقان : فقمت ناحية لأكتب له بما أمرني فأتبعني رسولا يستحثني فبادرت إليه ، فلما وقف على الكتاب زاد فيه بخطه : نفيت عن
العباس ؛ لئن خالفت فيما أمرت به لأوجهن من يجيئني برأسك ، ووصل الشيخ بألف دينار ، وبعث معه حاجبا ، وكثر تظلم الناس من كتاب أهل الذمة وتتابعت الإغاثات .
وحج
المتوكل تلك السنة ، فرئي رجل يطوف بالبيت ويدعو على
المتوكل فأخذه الحرس وجاءوا به سريعا فأمر بمعاقبته ، فقال له : والله يا أمير المؤمنين ما قلت ما قلته إلا وقد أيقنت بالقتل ، فاسمع كلامي ومر
[ ص: 471 ] بقتلي ، فقال : قل ، فقال : سأطلق لساني بما يرضي الله ورسوله ويغضبك يا أمير المؤمنين ، قد اكتنفت دولتك كتاب من الذمة أحسنوا الاختيار لأنفسهم ، وأساءوا الاختيار للمسلمين وابتاعوا دنياهم بآخرة أمير المؤمنين ، خفتهم ولم تخف الله وأنت مسئول عما اجترحوا وليسوا مسئولين عما اجترحت ، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك ، فإن أخسر الناس صفقة يوم القيامة من أصلح دنيا غيره بفساد آخرته ، واذكر ليلة تتمخض صبيحتها عن يوم القيامة ، وأول ليلة يخلو المرء في قبره بعمله ، فبكى
المتوكل إلى أن غشي عليه وطلب الرجل فلم يوجد ، فخرج أمره
nindex.php?page=treesubj&link=33766بلبس النصارى واليهود الثياب العسلية ، وألا يمكنوا من لبس الثياب لئلا يتشبهوا بالمسلمين ، ولتكن ركبهم خشبا ، وأن تهدم بيعهم المستجدة ، وأن تطبق عليهم الجزية ولا يفسح لهم في دخول حمامات المسلمين ، وأن يفرد لهم حمامات خدمها ذمة ، ولا يستخدموا مسلما في حوائجهم لنفوسهم ، وأفرد لهم من يحتسب عليهم وكتب كتابا نسخته :
" أما بعد ، فإن الله اصطفى الإسلام دينا فشرفه وكرمه وأناره ونصره وأظهره وفضله وأكمله ، فهو الدين لا يقبل غيره ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=85ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ، بعث به صفيه وخيرته من خلقه
محمدا - صلى الله عليه وسلم - فجعله خاتم النبيين وإمام المتقين ، وسيد المرسلين :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ، وأنزل كتابا عزيزا :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ،
[ ص: 472 ] أسعد به أمته وجعلهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون .
nindex.php?page=treesubj&link=8733وأهان الشرك وأهله ووضعهم وصغرهم وقمعهم وخذلهم ، وتبرأ منهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
وطبع على قلوبهم وخبث سرائرهم وضمائرهم ، فنهى عن ائتمانهم والثقة بهم لعداوتهم للمسلمين ، وغشهم وبغضائهم فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=144ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا .
[ ص: 473 ] وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين .
وقد انتهى إلى أمير المؤمنين أن أناسا لا رأي لهم ولا روية ،
nindex.php?page=treesubj&link=8733_8371يستعينون بأهل الذمة في أفعالهم ، ويتخذونهم بطانة من دون المسلمين ، ويسلطونهم على الرعية فيعسفونهم ، ويبسطون أيديهم إلى ظلمهم وغشمهم والعدوان عليهم ، فأعظم أمير المؤمنين ذلك وأنكره وأكبره وتبرأ إلى الله منه ، وأحب التقرب إلى الله تعالى بحسمه والنهي عنه ، ورأى أن يكتب إلى عماله على الكور والأمصار وولاة الثغور والأجناد في ترك استعمالهم للذمة في شيء من أعمالهم وأمورهم ، والإشراك لهم في أماناتهم وما قلدهم أمير المؤمنين واستحفظهم إياه ، وجعل في المؤمنين الثقة في الدين والأمانة على إخوانهم المؤمنين ، وحسن الرعاية لما استرعاهم ، والكفاية لما استكفوا ، والقيام بما حملوا ، ما أغنى عن الاستعانة بالمشركين بالله المكذبين برسله الجاحدين لآياته الجاعلين معه إلها آخر ، لا إله إلا هو وحده لا شريك له .
[ ص: 474 ] ورجاء أمير المؤمنين بما ألهمه الله من ذلك وقذف في قلبه جزيل الثواب وكريم المآب ، والله يعين أمير المؤمنين على نيته في تعزيز الإسلام وأهله ، وإذلال الشرك وحزبه .
فليعلم هذا من رأي أمير المؤمنين ، ولا يستعانن بأحد من المشركين ، وإنزال أهل الذمة منازلهم التي أنزلهم الله تعالى بها ، فاقرأ كتاب أمير المؤمنين على أهل أعمالك وأشعه فيهم ، ولا يعلمن أمير المؤمنين أنك استعنت ولا أحد من عمالك وأعوانك بأحد من أهل الذمة في عمل . والسلام .
92 - فَصْلٌ
[
nindex.php?page=treesubj&link=8733_33766الْمُتَوَكِّلُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ ]
وَأَمَّا
الْمُتَوَكِّلُ فَإِنَّهُ صَرَفَ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنَ الْأَعْمَالِ ، وَغَيَّرَ زِيَّهُمْ فِي
[ ص: 468 ] مَرَاكِبِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبَاشِرِينَ مِنْهُمْ لِلْأَعْمَالِ كَثُرُوا فِي زَمَانِهِ وَزَادُوا عَلَى الْحَدِّ ، وَغَلَبُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِخِدْمَةِ أُمِّهِ وَأَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ، فَكَانَتِ الْأَعْمَالُ الْكِبَارُ كُلُّهَا أَوْ عَامَّتُهَا إِلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ النَّوَاحِي ، وَكَانُوا قَدْ أَوْقَعُوا فِي نَفْسِ
الْمُتَوَكِّلِ مِنْ مُبَاشَرِي الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا وَأَنَّهُمْ بَيْنَ مُفَرِّطٍ وَخَائِنٍ ، وَعَمِلُوا عَمَلًا بِأَسْمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَسْمَاءِ بَعْضِ الذِّمَّةِ لِيَنْفُوا التُّهْمَةَ وَأَوْجَبُوا بِاسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَالًا كَثِيرًا ، وَعُرِضَ عَلَى
الْمُتَوَكِّلِ فَأُغْرِيَ بِهِمْ وَظَنَّ مَا أَوْجَبُوا مِنْ ذَلِكَ حَقًّا ، وَأَنَّ الْمَالَ فِي جِهَاتِهِمْ كَمَا أَوْجَبُوهُ ، وَدَخَلَ
سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ النَّصْرَانِيُّ عَلَى
الْمُتَوَكِّلِ وَكَانَ يَأْنَسُ بِهِ وَيُحَاضِرُهُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ فِي الصَّحَارِي وَالصَّيْدِ ، وَخَلْفَكَ مَعَادِنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَنْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَمْلَؤُهَا ذَهَبًا عِوَضًا عَنِ الْفَاكِهَةِ .
[ ص: 469 ] فَقَالَ لَهُ
الْمُتَوَكِّلُ : عِنْدَ مَنْ ؟ فَقَالَ : عِنْدَ
الْحُسَيْنِ بْنِ مُخَلَّدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12222وَأَحْمَدَ بْنِ إِسْرَائِيلَ ،
وَمُوسَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ،
وَمَيْمُونِ بْنِ هَارُونَ ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ اسْمُهُ ثَابِتٌ فِي الْعَمَلِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ الْمَرْفُوعِ
لِلْمُتَوَكِّلِ ، فَقَالَ لَهُ
الْمُتَوَكِّلُ : مَا تَقُولُ فِي
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى ؟ فَسَكَتَ ، فَقَالَ : بِحَيَاتِي عَلَيْكَ قُلْ لِي مَا عِنْدَكَ ، فَقَالَ : قَدْ حَلَّفْتَنِي بِحَيَاتِكَ وَلَا بُدَّ لِي مِنْ صِدْقِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ صَاغَ لَهُ صَوَالِجَةً وَأُكْرُمَنَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَضْرِبُ كُرَةً مِنْ جُلُودٍ بِصَوْلَجَانٍ مِنْ خَشَبٍ وَأَنْتَ تَضْرِبُ كُرَةً مِنْ فِضَّةٍ بِصَوْلَجَانٍ مِنْ فِضَّةٍ ! ! فَالْتَفَتَ
الْمُتَوَكِّلُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14886الْفَتْحِ بْنِ خَاقَانَ وَقَالَ : ابْعَثْ فَأَحْضِرْ هَؤُلَاءِ ، وَضَيِّقْ عَلَيْهِمْ . فَحَضَرَتْ جَمَاعَةُ الْكُتَّابِ وَعَلِمُوا مَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الْكَافِرِ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَى
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى فَأَنْفَذَ مَعَهُمْ كَاتَبَهُ إِلَى
سَلَمَةَ ، وَعَاتَبَهُ فِيمَا جَرَى مِنْهُ ،
[ ص: 470 ] فَحَلَفَ إِنَّنِي لَمْ أَفْعَلْ مَا فَعَلْتُهُ إِلَّا عَلَى سُكْرٍ ، وَلَمْ أَقُلْ مَا قُلْتُهُ عَنْ حَقِيقَةٍ فَأَخَذَ خَطَّهُ بِذَلِكَ ، فَدَخَلَ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى عَلَى
الْمُتَوَكِّلِ وَعَرَّفَهُ مَأْثَمَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى خَطِّ
سَلَمَةَ وَقَالَ : هَذَا قَصْدُهُ أَنْ يَخْلُوَ أَرْكَانُ دَوْلَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْكُتَّابِ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَتَمَكَّنَ هُوَ وَرَهْطُهُ مِنْهَا .
وَكَانَ
الْمُتَوَكِّلُ قَدْ جَعَلَ فِي مَوْكِبِهِ مَنْ يَأْخُذُ الْمُتَظَلِّمِينَ وَيُحْضِرُهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى خَلْوَةٍ ، فَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْخٌ كَبِيرٌ ، فَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ
أَهْلِ دِمَشْقَ ، وَأَنَّ
سَعِيدَ بْنَ عَوْنٍ النَّصْرَانِيَّ غَصَبَهُ دَارَهُ ، فَلَمَّا وَقَفَ
الْمُتَوَكِّلُ عَلَى قِصَّةِ الشَّيْخِ اشْتَدَّ غَضَبُهُ إِلَى أَنْ كَادَتْ تَطِيرُ أَزْرَارُهُ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى صَالِحٍ عَامِلِهِ بِرَدِّ دَارِهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14886الْفَتْحُ بْنُ خَاقَانَ : فَقُمْتُ نَاحِيَةً لِأَكْتُبَ لَهُ بِمَا أَمَرَنِي فَأَتْبَعَنِي رَسُولًا يَسْتَحِثُّنِي فَبَادَرْتُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى الْكِتَابِ زَادَ فِيهِ بِخَطِّهِ : نُفِيتُ عَنِ
الْعَبَّاسِ ؛ لَئِنْ خَالَفْتَ فِيمَا أَمَرْتُ بِهِ لَأُوَجِّهَنَّ مَنْ يَجِيئُنِي بِرَأْسِكَ ، وَوَصَلَ الشَّيْخَ بِأَلْفِ دِينَارٍ ، وَبَعَثَ مَعَهُ حَاجِبًا ، وَكَثُرَ تَظَلُّمُ النَّاسِ مِنْ كُتَّابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَتَابَعَتِ الْإِغَاثَاتُ .
وَحَجَّ
الْمُتَوَكِّلُ تِلْكَ السَّنَةَ ، فَرُئِيَ رَجُلٌ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَدْعُو عَلَى
الْمُتَوَكِّلِ فَأَخَذَهُ الْحَرَسُ وَجَاءُوا بِهِ سَرِيعًا فَأَمَرَ بِمُعَاقَبَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا قُلْتُ مَا قُلْتُهُ إِلَّا وَقَدْ أَيْقَنْتُ بِالْقَتْلِ ، فَاسْمَعْ كَلَامِي وَمُرْ
[ ص: 471 ] بِقَتْلِي ، فَقَالَ : قُلْ ، فَقَالَ : سَأُطْلِقُ لِسَانِي بِمَا يُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُغْضِبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَدِ اكْتَنَفَتْ دَوْلَتَكَ كُتَّابٌ مِنَ الذِّمَّةِ أَحْسَنُوا الِاخْتِيَارَ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَأَسَاءُوا الِاخْتِيَارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَابْتَاعُوا دُنْيَاهُمْ بِآخِرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، خِفْتَهُمْ وَلَمْ تَخَفِ اللَّهَ وَأَنْتَ مَسْئُولٌ عَمَّا اجْتَرَحُوا وَلَيْسُوا مَسْئُولِينَ عَمَّا اجْتَرَحْتَ ، فَلَا تُصْلِحْ دُنْيَاهُمْ بِفَسَادِ آخِرَتِكَ ، فَإِنَّ أَخْسَرَ النَّاسِ صَفْقَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ أَصْلَحَ دُنْيَا غَيْرِهِ بِفَسَادِ آخِرَتِهِ ، وَاذْكُرْ لَيْلَةً تَتَمَخَّضُ صَبِيحَتُهَا عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلَ لَيْلَةٍ يَخْلُو الْمَرْءُ فِي قَبْرِهِ بِعَمَلِهِ ، فَبَكَى
الْمُتَوَكِّلُ إِلَى أَنَّ غُشِيَ عَلَيْهِ وَطَلَبَ الرَّجُلَ فَلَمْ يُوجَدْ ، فَخَرَجَ أَمْرُهُ
nindex.php?page=treesubj&link=33766بِلُبْسِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ الثِّيَابَ الْعَسَلِيَّةَ ، وَأَلَّا يُمَكَّنُوا مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ لِئَلَّا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ ، وَلْتَكُنْ رُكُبُهُمْ خَشَبًا ، وَأَنْ تُهَدَّمَ بِيَعُهُمُ الْمُسْتَجَدَّةُ ، وَأَنْ تُطَبَّقَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ وَلَا يُفْسَحَ لَهُمْ فِي دُخُولِ حَمَّامَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يُفْرَدَ لَهُمْ حَمَّامَاتٌ خَدَمُهَا ذِمَّةٌ ، وَلَا يَسْتَخْدِمُوا مُسْلِمًا فِي حَوَائِجِهِمْ لِنُفُوسِهِمْ ، وَأَفْرَدَ لَهُمْ مَنْ يَحْتَسِبُ عَلَيْهِمْ وَكَتَبَ كِتَابًا نُسْخَتُهُ :
" أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى الْإِسْلَامَ دِينًا فَشَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ وَأَنَارَهُ وَنَصَرَهُ وَأَظْهَرَهُ وَفَضَّلَهُ وَأَكْمَلَهُ ، فَهُوَ الدِّينُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=85وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، بَعَثَ بِهِ صَفِيَّهُ وَخِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَهُ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَإِمَامَ الْمُتَّقِينَ ، وَسَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ، وَأَنْزَلَ كِتَابًا عَزِيزًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ،
[ ص: 472 ] أَسْعَدَ بِهِ أُمَّتَهُ وَجَعَلَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ .
nindex.php?page=treesubj&link=8733وَأَهَانَ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ وَوَضَعَهُمْ وَصَغَّرَهُمْ وَقَمَعَهُمْ وَخَذَلَهُمْ ، وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةَ وَالْمَسْكَنَةَ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
وَطَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَخَبَّثَ سَرَائِرَهُمْ وَضَمَائِرَهُمْ ، فَنَهَى عَنِ ائْتِمَانِهِمْ وَالثِّقَةِ بِهِمْ لِعَدَاوَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَغِشِّهِمْ وَبَغْضَائِهِمْ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=144يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا .
[ ص: 473 ] وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
وَقَدِ انْتَهَى إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أُنَاسًا لَا رَأْيَ لَهُمْ وَلَا رَوِيَّةَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=8733_8371يَسْتَعِينُونَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَفْعَالِهِمْ ، وَيَتَّخِذُونَهُمْ بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُسْلِمِينَ ، وَيُسَلِّطُونَهُمْ عَلَى الرَّعِيَّةِ فَيَعْسِفُونَهُمْ ، وَيَبْسُطُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى ظُلْمِهِمْ وَغَشَمِهِمْ وَالْعُدْوَانِ عَلَيْهِمْ ، فَأَعْظَمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ وَأَكْبَرَهُ وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ ، وَأَحَبَّ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِحَسْمِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ ، وَرَأَى أَنْ يَكْتُبَ إِلَى عُمَّالِهِ عَلَى الْكُوَرِ وَالْأَمْصَارِ وَوُلَاةِ الثُّغُورِ وَالْأَجْنَادِ فِي تَرْكِ اسْتِعْمَالِهِمْ لِلذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَأُمُورِهِمْ ، وَالْإِشْرَاكِ لَهُمْ فِي أَمَانَاتِهِمْ وَمَا قَلَّدَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْتَحْفَظَهُمْ إِيَّاهُ ، وَجَعَلَ فِي الْمُؤْمِنِينَ الثِّقَةَ فِي الدِّينِ وَالْأَمَانَةَ عَلَى إِخْوَانِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَحُسْنَ الرِّعَايَةِ لِمَا اسْتَرْعَاهُمْ ، وَالْكِفَايَةَ لِمَا اسْتُكْفُوا ، وَالْقِيَامَ بِمَا حُمِّلُوا ، مَا أَغْنَى عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْمُكَذِّبِينَ بِرُسُلِهِ الْجَاحِدِينَ لِآيَاتِهِ الْجَاعِلِينَ مَعَهُ إِلَهًا آخَرَ ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .
[ ص: 474 ] وَرَجَاءُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَلْهَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَذَفَ فِي قَلْبِهِ جَزِيلُ الثَّوَابِ وَكَرِيمُ الْمَآبِ ، وَاللَّهُ يُعِينُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نِيَّتِهِ فِي تَعْزِيزِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ، وَإِذْلَالِ الشِّرْكِ وَحِزْبِهِ .
فَلْيُعْلَمْ هَذَا مِنْ رَأْيِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَا يُسْتَعَانَنَّ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَإِنْزَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَنَازِلَهُمُ الَّتِي أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا ، فَاقْرَأْ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَهْلِ أَعْمَالِكَ وَأَشِعْهُ فِيهِمْ ، وَلَا يَعْلَمَنَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّكَ اسْتَعَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ عُمَّالِكَ وَأَعْوَانِكَ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي عَمَلٍ . وَالسَّلَامُ .