[ ص: 663 ] وأما الرجل إذا أسلم ، وامتنعت المشركة أن تسلم ، فإمساكه لها يضر بها ، ولا مصلحة لها فيه ، فإنه إذا لم يقم لها بما تستحقه كان ظالما ، فلهذا قال تعالى : (  ولا تمسكوا بعصم الكوافر      ) ، فنهى الرجال أن يستديموا نكاح الكافرة ، فإذا أسلم الرجل أمرت امرأته بالإسلام ، فإن لم تسلم فرق بينهما .  
 [ ص: 664 ] قال شيخنا : " وقد يقال : بل هذا النهي للرجال ثابت في حق النساء ، ويقال : إن قضية  زينب  منسوخة ، فإنها كانت قبل نزول آية التحريم لنكاح المشركات ، وهذا مما قاله طائفة : منهم  محمد بن الحسن     " .  
قلت : وهذا قاله غير واحد من العلماء .  
قال   أبو محمد بن حزم     : أما خبر  زينب  فصحيح ، ولا حجة فيه ؛ لأن إسلام  أبي العاص  كان قبل  الحديبية   ، ولم يكن نزل بعد  تحريم المسلمة على المشرك   ، وكذلك قال  البيهقي     .  
قال شيخنا : " لكن يقال : فهذه الآية كانت قبل فتح  مكة   بعد  الحديبية   ،  ثم لما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم -  مكة   رد نساء كثيرا على أزواجهن بالنكاح الأول ، لم يحدث نكاحا ، وقد احتبس أزواجهن عليهن ، ولم يأمر رجلا واحدا بتجديد النكاح ألبتة  ولو وقع ذلك لنقل ولما أهملت الأمة نقله .  
قلت : وبهذا يعلم بطلان ما قاله   أبو محمد بن حزم  فإنه قال : " ولا سبيل إلى خبر صحيح بأن إسلام رجل يقدم على إسلام امرأته ، أو يقدم إسلامها عليه ، وأقرهما على النكاح الأول ، فإذ لا سبيل إلى هذا فلا يجوز أن يطلق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه إطلاق الكذب والقول بغير علم .  
 [ ص: 665 ] قال : فإن قيل : قد روي أن  أبا سفيان  أسلم قبل  هند  ،  وامرأة صفوان   أسلمت قبل  صفوان  ، قلنا : من أين لكم أنهما بقيا على نكاحهما فلم يجددا عقدا ؟ وهل جاء ذلك قط بإسناد صحيح متصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عرف ذلك فأقره ؟ حاش لله من هذا " انتهى كلامه .  
وهذا من أوابده ، وإقدامه على إنكار المعلوم لأهل الحديث ، والسير بالضرورة ، بل من له إلمام بالسنة ، وأيام الإسلام ، وسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكيفية إسلام الصحابة ، ونسائهم يعلم علما ضروريا لا يشك فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعتبر في بقاء النكاح أن يتلفظ الزوجان بالإسلام تلفظا واحدا ، لا يتقدم أحدهما على الآخر بحرف ، ولا يتأخر عنه بحرف ، لا قبل الفتح ولا بعده إلى أن توفاه الله عز وجل ، ويعلم علما ضروريا أنه لم يفسخ عقد نكاح أحد سبق امرأته بالإسلام ، أو سبقته ، ثم أسلم الثاني لا في العدة ، ولا بعدها .  
وكذلك أيضا يعلم أنه لم يجدد نكاح أحد سبقته امرأته بالإسلام ، أو سبقها ، ثم أسلم الثاني لا في العدة ، ولا بعدها .  
وكذلك أيضا يعلم أنه لم يجدد نكاح أحد سبقته امرأته ، أو سبقها بالإسلام بحيث أحضر الولي والشهود وجدد العقد والمهر ، وتجويز وقوع مثل هذا - ولا ينقله بشر على وجه الأرض - يفتح باب تجويز المحالات ، وأنه كان لنا صلاة سادسة ، ولم ينقلها أحد وأذان زائد ، ولم ينقله أحد ، ومن هذا النمط ، وذلك من أبطل الباطل وأبين المحال ، فهذه سيرة رسول الله      [ ص: 666 ]    - صلى الله عليه وسلم - وأحواله وأحوال أصحابه بين أظهر الأمة تشهد ببطلان ما ذكره ، وأن إضافته إليه محض الكذب ، والقول عليه بلا علم .  
فإن قيل : فقد روى   عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته على  أبي العاص  بمهر جديد ، ونكاح جديد  رواه  الترمذي  ، فكيف تقولون : إنه لم يجدد لأحد ممن تقدم إسلام امرأته نكاحا ؟  
قيل : هذا الحديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قاله أئمة الحديث .  
قال  الترمذي     : " في إسناده مقال " .  
 [ ص: 667 ] وقال   الإمام أحمد     : " هذا حديث ضعيف ، والحديث الصحيح : الذي روي أنه أقرها على النكاح الأول " هذا لفظه .  
وقال   الدارقطني     : " هذا حديث لا يثبت ، والصواب حديث   ابن عباس  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردها بالنكاح الأول " .  
وقال  الترمذي  في حديث   ابن عباس     - رضي الله عنهما - "  أنه ردها بالنكاح الأول فكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين ، ولم يحدث نكاحا     " هذا حديث حسن ليس بإسناده بأس .  
 [ ص: 668 ] فإن قيل : الكلام مع من صحح هذا الحديث ، فإنه حديث مضطرب : قد روي أنه " كان بين إسلامهما سنتان " ، وروي " ست سنين " ، ولا يصح واحد من الأمرين ، فإن  زينب  لم تزل مسلمة من بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،  وأبو العاص  أسلم في السنة السادسة في زمن الهدنة ، فبين إسلامه ، وإسلامها ثمان عشرة سنة ، أو ما يزيد عليها ، وكذلك رواية من روى " سنتين " هي غلط قطعا ، فإن  زينب  لم تبق مشركة إلى السنة الرابعة من الهجرة ، والحديث من رواية   ابن إسحاق  ، وكلام الأئمة فيه معروف .  
فالجواب أن يقال : من أين لكم تقدم إسلام  زينب  من أول المبعث ، فإنها كانت تحت   أبي العاص بن الربيع  ، وهو مشرك ، وأصح ما في تقدم إسلامها حديث   ابن عباس  هذا ، وهو يقتضي أنها أسلمت حين هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى  المدينة      .  
 [ ص: 669 ] وكذلك قال   ابن شهاب     : أسلمت  زينب  ، وهاجرت بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي ذكر ذلك على أنه كان إسلامها من حين المبعث كما حكى فيه الإجماع   أبو محمد بن حزم  ، فقال : " وقد أسلمت  زينب  في أول مبعث أبيها - صلى الله عليه وسلم - لا خلاف في ذلك ، ثم هاجرت إلى  المدينة   ، وزوجها كافر ، فكان بين إسلامها وإسلامه أزيد من ثمان عشرة سنة ، وقد ولدت في خلال ذلك  علي بن أبي العاص  ، " وهذا الذي قاله  أبو محمد  هو الحق ، وأنها لم تزل مسلمة من حين بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويمكن التوقيت بالسنتين أو بالست كان بين إسلامه ، وظهور إسلامها ، وإعلانه بالهجرة ، فإن نساء المؤمنات كن يستخفين من أزواجهن بالإسلام في  مكة   ، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أظهر من هاجر معه منهن إسلامها ،  وزينب  هاجرت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد وقعة  بدر   ، فكان بين ظهور إسلامها بهجرتها ، وإسلام  أبي العاص  سنتان .  
وأما الست سنين فهي بين ظهور الإسلام العام بالهجرة ، وإسلام  أبي العاص     .      [ ص: 670 ] على أن  عبد الرزاق  قد ذكر عن   ابن جريج  ، عن رجل ، عن   ابن شهاب  قال :      [ ص: 671 ] أسلمت   زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وهاجرت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة الأولى ، وزوجها   أبو العاص بن الربيع  بمكة   مشرك ، ثم شهد  أبو العاص     "  بدرا      " مشركا ، فأسر ففدي ، وكان موسرا ، ثم شهد " أحدا " مشركا ، ورجع إلى  مكة   ، ومكث بها ما شاء الله ، ثم خرج إلى  الشام   تاجرا فأسر بطريق  الشام   ، أسره نفر من الأنصار ، فدخلت      [ ص: 672 ] زينب  على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن المسلمين يجير عليهم أدناهم ، فقال : وما ذاك يا  زينب  ؟ فقالت : أجرت  أبا العاص     . فقال : " قد أجرت جوارك " ثم لم يجر جوار امرأة بعدها ، ثم أسلما ، فكانا على نكاحهما     .  
وكان  عمر  خطبها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر لها النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، فقالت :  أبو العاص  يا رسول الله حيث علمت ، وقد كان نعم الصهر ، فإن رأيت أن تنتظره ، فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك     .  
قلت : قوله : " ثم أسلما " أي اجتمعا على الإسلام ، وإلا  فزينب  أسلمت      [ ص: 673 ] قبله قطعا ، وهاجرت بعد "  بدر      " قطعا كما في " المسند " ، و " السنن " من  حديث  عائشة     - رضي الله عنها - قالت : لما بعث أهل  مكة   في فداء أسراهم بعثت  زينب  في فداء  أبي العاص  بمال ، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند   خديجة  أدخلتها بها على  أبي العاص     . قالت فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لها رقة شديدة ، وقال : " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها " ، قالوا : نعم . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ عليه ، أو وعده ، أن يخلي سبيل  زينب  إليه ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   زيد بن حارثة  ورجلا من  الأنصار   ، فقال : " كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما  زينب  فتصحباها حتى تأتيا بها "     .  
 [ ص: 674 ] وأما تعلقكم على  محمد بن إسحاق  فتعلق ضعيف ، وقد صحح الأئمة حديثه هذا ، وبينوا أنه أولى بالصحة من حديث   عمرو بن شعيب  أنه ردها بنكاح جديد ، وأن ذلك لا يثبت ، كما تقدم حكاية كلامهم ، وثناء الأئمة على   ابن إسحاق  وشهادتهم له بالإمامة ، والحفظ ، والصدق أضعاف أضعاف القدح فيه .  
 [ ص: 675 ]  [ ص: 676 ] وقد أجيب عن حديث  زينب     - رضي الله عنها - بأجوبة كلها ضعيفة أو فاسدة ، ونحن نذكرها .  
قال  أبو عمر     : " إن صح حديث   ابن عباس  هذا ، فلا يخلو من أحد وجهين :  
إما أنها لم تحض ثلاث حيض حتى أسلم زوجها .  
وإما أن الأمر فيها منسوخ بقوله تعالى : (  وبعولتهن أحق بردهن في ذلك      ) ، يعني في عدتهن ، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء : أنه عنى به العدة .  
وقال   ابن شهاب  في قصة  زينب  هذه : كان هذا قبل أن تنزل الفرائض .  
قال  قتادة     : كان هذا قبل أن تنزل سورة " براءة " بقطع العهود بين المسلمين والمشركين .  
وقد روى   عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته إلى   أبي العاص بن الربيع  بنكاح جديد ، وإذا كان هذا سقط القول في قصة  زينب     .  
 [ ص: 677 ] وكذلك قال   الشعبي     - مع علمه بالمغازي - " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد  زينب  إلى  أبي العاص  إلا بنكاح جديد " ، ولا خلاف بين العلماء في  الكافرة تسلم ، ويأبى زوجها الإسلام حتى تنقضي عدتها   ، أنه لا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد .  
وهذا كله يتبين به أن قول   ابن عباس     - رضي الله عنهما - : " ردها على النكاح الأول " أنه أراد به على مثل الصداق الأول إن صح ، وحديث   عمرو بن شعيب  عندنا صحيح " انتهى كلامه .  
قلت : أما كونها لم تحض في تلك السنين الست إلا ثلاث حيض فهذا - مع أنه في غاية البعد وخلاف ما طبع الله عليه النساء - فمثله لو وقع لنقل ، ولم ينقل ذلك أحد ، ولم يحد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقاء النكاح بمدة العدة حتى يقال : لعل عدتها تأخرت ، فلا التحديد بالثلاث حيض ثابت ، ولا تأخرها ست سنين معتاد .  
 [ ص: 678 ] وأما ادعاء نسخ الحديث فأبعد وأبعد ، فإن شروط النسخ منتفية ، وهي وجود المعارض ، ومقاومته ، وتأخره ، فأين معكم واحد من هذه الثلاثة ؟  
وأعجب من هذا دعوى أن يكون الناسخ قوله تعالى : (  وبعولتهن أحق بردهن في ذلك      ) ، فإن هذا في المطلقات الرجعيات بنص القرآن ، واتفاق الأمة ، ولم يقل أحد : أن إسلام المرأة طلقة رجعية يكون بعلها أحق بردها في عدتها ، والذين يحكمون بالفرقة بعد انقضاء العدة لا يوقعونها من حين الإسلام ، بخلاف الطلاق فإنه ينفذ من حين التطليق ، ويكون للزوج الرجعة في زمن العدة .  
وأما قول   الزهري     : " إن هذا كان قبل أن تنزل الفرائض " ، فكأنه أراد أن الحديث منسوخ ، فيقال : وأين الناسخ من كتاب الله أو سنة رسوله ؟ فإن قال : الناسخ له قوله تعالى : (  لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن      ) ، فيقال : هذه الآية نزلت في قصة صلح  الحديبية   باتفاق الناس ، ورد  زينب  على  أبي العاص  كان بعد ذلك لما قدم من  الشام   في زمن الهدنة ، ولهذا      [ ص: 679 ] قال النبي - صلى الله عليه وسلم -  لزينب     "  أكرمي مثواه ، ولكن لا يصل إليك     " ، امتثالا لقوله تعالى : (  لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن      ) ، ثم ذهب  أبو العاص  إلى  مكة   فرد الودائع ، والأمانات التي كانت عنده ، ثم جاء فأسلم ، فردها عليه بالنكاح الأول .  
وقوله : " إن ذلك كان قبل أن تنزل الفرائض " لم يرد به فرائض الإسلام ،   فابن شهاب  أعلم وأجل من أن يريد ذلك ، والظاهر أنه إنما أراد فريضة تحريم  نكاح المشرك ، والمشركة      .  
وأقصى ما يقال : إن رد  زينب  على  أبي العاص  ، ونزول آية التحريم كانا في زمن الهدنة ، فمن أين يعلم تأخر نزول الآية عن قصة الزوجين ، لتكون ناسخة لها ؟ ولا يمكن دعوى النسخ بالاحتمال .  
وأما قول  قتادة     : كان هذا قبل أن تنزل سورة " براءة " بقطع العهود بين المسلمين ، والمشركين فلا ريب أنه كان قبل نزول " براءة " ولكن أين في      [ ص: 680 ] سورة براءة ما يدل على إبطال ما مضت به سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حين بعث إلى أن توفاه الله تعالى من عدم  التفريق بين الرجل ، والمرأة ، إذا سبق أحدهما بالإسلام   ؟ والعهود التي نبذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين هي عهود الصلح التي كانت بينه وبينهم ، فهي براءة من العقد ، والعهد الذي كان بينه وبينهم ، ولا تعرض فيها للنكاح بوجه من الوجوه ، وقد أكد الله سبحانه البراءة بين المسلمين ، والكفار قبل ذلك في سورة " الممتحنة " وغيرها ، ولكن هذا لا يناقض تربص المرأة بنكاحها إسلام زوجها ، فإن أسلم كانت امرأته وإلا فهي بريئة منه .  
 [ ص: 681 ] وأما قوله : وقد روى   عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده : أنه ردها بنكاح جديد ، فلو وصل إلى  عمرو  لكان حجة ، فإنا لا ندفع حديث   عمرو بن شعيب  ، ولكن دون الوصول إليه مفاوز مجدبة معطشة لا تسلك ، فلا يعارض بحديثه الحديث الذي شهد الأئمة بصحته .  
 [ ص: 682 ] وأما قول   الشعبي     : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يردها إلا بنكاح جديد ، فهذا إن صح عن   الشعبي  فإن كان قاله برأيه فلا حجة فيه ، وإن كان قاله رواية فهو منقطع لا تقوم به حجة ، فبين   الشعبي  وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفازة لا يدرى حالها .  
وأما قوله : لا خلاف بين العلماء في  الكافرة تسلم ، ويأبى زوجها الإسلام حتى تنقضي عدتها   ، أنه لا سبيل له عليها إلا بنكاح ، فهذا قاله  أبو عمر     - رحمه الله - بحسب ما بلغه ، وإلا فقد ذكرنا في المسلمة مذاهب تسعة ، وذكرنا مذهب  علي  ولا يحفظ اعتبار العدة عن صاحب واحد ألبتة ، وأرفع ما فيه قول   الزهري  الذي رواه  مالك  عنه في " الموطأ " ، ولفظه : "  أن  أم حكيم بنت الحارث بن هشام   أسلمت يوم الفتح  بمكة   ، وهرب زوجها   عكرمة بن أبي جهل  من الإسلام حتى قدم اليمن ، فارتحلت  أم حكيم  حتى قدمت على زوجها  باليمن   ، ودعته إلى الإسلام فأسلم ، وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعه فثبتا على نكاحهما ذلك   " .  
قال   ابن شهاب     : ولم يبلغنا أن  امرأة هاجرت إلى الله ، وإلى رسوله ، وزوجها كافر مقيم بدار الكفر   إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها ، وأنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها ، فلا يعرف في اعتبار العدة غير هذا الأثر .  
 [ ص: 683 ] وأما قوله : إنه ردها على النكاح الأول : أي على مثل الصداق الأول ، فلا يخفى ضعفه وفساده ، وأنه عكس المفهوم من لفظ الحديث ، وقوله : " لم يحدث شيئا " يأباه ونحن نذكر ألفاظ الحديث لنبين أنها لا تحتمل ذلك :  
ففي " المسند " ، و " السنن " من حديث   ابن عباس     - رضي الله عنهما - "  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته  زينب  على زوجها  أبي العاص  بن الربيع بالنكاح الأول لم يحدث شيئا     " .  
وفي لفظ : "  بنكاحها الأول لم يحدث صداقا     " .  
وفي لفظ : "  شهادة ولا صداقا     " .  
وفي لفظ : "  لم يحدث نكاحا     " .  
فهذا كله صريح في أنه أبقاهما على نفس النكاح الأول ، لا يحتمل الحديث غير ذلك .  
وأما قوله : " فحديث   عمرو بن شعيب  عندنا صحيح " فنعم ، إذا وصل إليه بسند صحيح ، وهذا منتف في هذا الحديث كما تقدم .  
 [ ص: 684 ] قال  الترمذي  في " كتاب العلل " : سألت عنه   محمد بن إسماعيل البخاري  
[ عن هذين الحديثين ] ؟ فقال : حديث   ابن عباس  أصح في هذا الباب من حديث   عمرو بن شعيب  
[ عن أبيه ، عن جده ] .  
وذكر  أبو عبيد  ، عن   يحيى بن سعيد القطان     : أن   حجاج بن أرطاة     - وهو راويه ، عن   عمرو بن شعيب     - لم يسمعه من  عمرو  ، وأنه من حديث  محمد بن عبيد الله العرزمي  ، عن  عمرو     .  
قال  البيهقي     : " فهذا الحديث لا يعبأ به أحد يدري ما الحديث " .  
قال : " والذي ذكره بعض الناس في الجمع بين حديث   عبد الله بن عمرو  ، وحديث   ابن عباس  ، بأن قال : علم   عبد الله بن عمرو  بتحريم الله سبحانه رجوع المؤمنات إلى الكفار ، فلم يكن ذلك عنده إلا بنكاح جديد " .  
وأما   ابن عباس  فلم يعلم بتحريم الله عز وجل المؤمنات على الكفار حتى علم برد  زينب  على  أبي العاص  فقال : ردها بالنكاح الأول ؛ لأنه لم يكن بينهما عنده فسخ نكاح " .  
 [ ص: 685 ] قال  البيهقي     : " وليس هذا بجمع صحيح ، وما هو إلا سوء ظن بالصحابة ، حيث نسبهم إلى المجازفة برواية الحديث على ما وقع لهم من غير سماع ، وحديث   عبد الله بن عمرو  لم يثبته الحفاظ على ما قدمنا ذكره ،   وابن عباس  لم يقل : " ردها عليه بالنكاح الأول ، ولم يحدث شيئا " إلا بعد إحاطة العلم به بنفسه ، أو عمن يثق به ، وكيف يشتبه على مثله نزول الآية في " الممتحنة " قبل رد النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته على  أبي العاص  ؟ وإن اشتبه ذلك عليه في وقت نزولها لم يشتبه على مثله الخبر بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد علم منازل القرآن ، وتأويله ، هذا بعيد لا يجوز الحمل عليه " انتهى كلامه .  
قال أصحاب هذا القول : ثم نقول : دعونا من هذا كله ، وهب أنه صح لكم جميع ما ذكرتم في قصة  زينب  ، فمن أين لكم أن المراعى في أمر  أبي العاص  ، وأمر  هند  ، وامرأة  صفوان  ،  وأم حكيم  ، وسائر من أسلم إنما هو العدة ؟ ومن أخبركم بهذا ، وليس في شيء من الأحاديث الصحاح ولا الحسان ذكر عدة في ذلك ، ولا دليل عليها أصلا من كتاب الله ، ولا سنة رسوله ، ولا إجماع الصحابة ؟ قالوا : ولا عدة في دين الله إلا في طلاق ، أو خلع ، أو وفاة ، أو عتق تحت عبد ، أو حر ، فمن أين جئتمونا بهذه العدة ، وجعلتموها حدا فاصلا بين الزوج المالك للعصمة ، وغيره ؟  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					