120 - فصل
[ إذا طلق إحداهما أو ما زاد على الأربع ] .
فإن ، وكانت المطلقة هي المفارقة : ذكره شيخنا ، وهذا أحد الوجهين لأصحاب طلق إحداهما أو طلق ما زاد على الأربع ثبت النكاح في غير المطلقة أحمد . والشافعي
وقال الأصحاب : تكون المطلقة هي المختارة ، وينفسخ نكاح البواقي ، وهذا الذي قاله أصحاب ، وأظنه نصه . الشافعي
وقال أصحاب مالك ، ولكنه غير منصوص عنه ، وحجتهم أن الطلاق لا يكون إلا في زوجة . قالوا : فتطليقه لها اختيار لها ، ويقع عليها الطلاق لأنها زوجة ، وقد أوقع عليها الطلاق ، فتطلق ، وينفسخ نكاح البواقي باختيار المطلقات .
قال القاضي : فإذا قال أمسكت هذه ، أو أمسكت نكاحها ، أو اخترتها ، أو اخترت نكاحها " لزم نكاحها وانفسخ نكاح من عداها . وإن قال : " فسخت نكاح هذه أو عقدها ، أو أخرجتها من حبالي ، أو تركتها ، ونحو ذلك " كان ذلك فراقا لها ، فإن قال : " فارقتها ، أو فارقت عقدها ، أو سرحتها " ، احتمل أن يكون فسخا ؛ لأنه يحتمله فتبين منه ، ويبقى نكاح [ ص: 720 ] البواقي ، واحتمل أن يكون اختيارا لها ، ويقع الطلاق ؛ لأنه صريح في الطلاق ، وإن قال : " طلقت هذه " كان ذلك اختيارا لنكاحها وطلاقا ؛ لأن الطلاق لا يوقع إلا في زوجة ، فتطليقه لها يكون اختيارا وتطليقا .
فإن وطئ واحدة فقياس المذهب أنه يكون اختيارا لها ؛ لأنه قد نص على أن الوطء يكون رجعة ؛ لأن الوطء يدل على الرضا بها ، فحصل بذلك الإمساك ، ولهذا قلنا في الأمة إذا أعتقت تحت عبد : لها الخيار ، فإن وطئها قبل الخيار بطل خيارها ؛ لأن تمكينها يدل على الرضا ، وكذلك إذا خيرها ، ثم وطئها كان وطؤها قطعا لخيارها ؛ لأنه يدل على الرغبة فيها والرجوع في طلاقها ، خلافا لأصحاب : لا يكون الوطء اختيارا عندهم لأنه لم يوضع لذلك ، وكذلك لا تحصل به الرجعة . الشافعي
والدليل على أن : أنه يوجب الاختيار باللفظ ، ومقصوده ومثاله ، فهو أقوى من مجرد قوله : " اخترتها " ؛ لأن قوله : " اخترتها " جعل اختيارا لدلالته على إيثاره لها ورضاه بها ، فوطؤها أقوى في الدلالة من مجرد اللفظ ، ولهذا كان الوطء اختيار عند جمهور العلماء ، وإنما نازع فيه الوطء رجعة وحده . الشافعي
إذا عرف هذا فالصواب أن تطليق إحداهن لا يكون اختيارا لها ، بل اختيارا لغير المطلقة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال للديلمي : " طلق إحداهما " لم يرد بهذا : أمسكها ، ولا فهم هو إمساكها من هذا اللفظ ، ولا فهمه أحد من أهل التخاطب ، وإنما فهم من قوله : " طلق أيتهما شئت " [ ص: 721 ] اختيارا لها لنفذ الطلاق عليها وانفسخ نكاح الأخرى بأنه لم يخترها ، فيكون أمرا له بإرسال الاثنتين : هذه بالتطليق ، والأخرى باختيار غيرها ، وقد صرح به أصحاب هذا القول فقالوا : لا يكون الطلاق إلا في زوجة ، ففي ضمن تطليقه لها اختيار منه لها ، فينفذ الطلاق وتنقطع العصمة بينه وبين البواقي ، وهذا باطل قطعا ، وكيف يكون الطلاق الذي جعل لرفع النكاح وإزالته ، وحل قيده دالا على ضد موضوعه من الإمساك والاختيار ؟ ! وهل هذا إلا قلب الحقائق ! وهو بمنزلة جعل الإمساك والاختيار دليلا على الفراق والطلاق ، وأي فرق حقيقة أو لغة بين قوله : " أرسلتك " ، و " سيبتك " ، و " أخرجتك من نكاحي " ، و " طلقتك " ؟ !
وأما قولهم : " إن " فجوابه من وجوه : الطلاق لا يكون إلا في زوجة
أحدها : أن الطلاق المضاف إلى زوجة لا يكون إلا في زوجة ، وأما الطلاق الذي هو عبارة عن اختيار غير المطلقة ، وإخراج المطلقة من نكاحه فلا يلزم أن يصادف زوجة .
الثاني : أن الطلاق هاهنا كناية عن التسيب والإرسال ، فهو بمنزلة قوله " رغبت عنك " ، " أرسلتك " فهو طلاق مقيد بقيد القرينة ، وهي من أقوى القرائن .
الثالث : أنه كيف يمكن أن يقول هذا القول من يقول : إن أنكحة الكفار صحيحة ؟ ولهذا قال ينفذ الطلاق في المطلقة ، وإذا كانت صحيحة فطلق واحدة صارت كأنها لم يعقد عليها ، وصار البواقي هن المعقود عليهن ، فكأنه أسلم وتحته أربع أو إحدى الأختين فقط .
[ ص: 722 ] فإن قيل : بالإسلام زال صحة نكاح الجميع ، فلا يمكن أن يقال : نكاح الخمس صحيح بعد إسلامه ، ولا يحكم ببطلان نكاحهن ، فإذا طلق واحدة علمنا أنها حينئذ زوجة ، ومن ضرورة كونها زوجة بطلان نكاح من عداها ، فإذا كان تحته ثمان فطلق أربعا علمنا أنهن حين الطلاق زوجاته ، فبالضرورة يكون نكاح من عداهن مفسوخا ، إذ لا يمكن أن يكون حال الطلاق نكاح الثمان صحيحا ، قيل : هذه الشبهة التي لأجلها قالوا : إن الطلاق يكون اختيارا .
وجواب هذه الشبهة أن النكاح بين الإسلام والاختيار موقوف لم ينفسخ بنفس الإسلام ، ولا بقي صحيحا لازما ، إذ لو انفسخ بنفس الإسلام لم يختر ، وهذا واضح ولهذا له أن يمسك من شاء من الثمان إلى تمام النصاب ، فما منهن واحدة إلا والنكاح في حقها صحيح إذا اختارها ، وباطل إذا أخرجه عن عصمته ، فالطلاق صادف هذه الزوجة الموقوفة ، ولا يلزم منه اجتماع الثمان في الإسلام في عقد لازم ، وليس المحذور سوى ذلك .