151 - فصل
[ ] . الإنفاق على الأقارب من أهل الكفر
فإن قيل : فما تقولون في وجوب الإنفاق على الأقارب مع اختلاف الدين ؟ لقوله تبارك وتعالى : ( وعلى الوارث مثل ذلك ) ، . واختلاف الدين يمنع الميراث
قيل : أما الأقارب مطلقا فلا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين ، وأما عمود النسب ففيهم روايتان :
إحداهما : لا تجب نفقتهم لذلك .
والثانية : تجب لتأكد قرابتهم بالعصبة .
وحكى بعض الأصحاب في وجوب نفقة الأقارب مطلقا - مع اختلاف الدين - أنه إن منع وجوب الإنفاق منع في سائر الأقارب ، وإن لم [ ص: 792 ] يكن مانعا لم يمنع في حق قرابة الكلالة ، كالرق ، والغنى .
فأما أن يكون مانعا في قرابة دون قرابة فلا وجه له ، ولا يصح التعليل بتأكد القرابة ؛ لأن الأخ والأخت أقرب من أولاد البنات .
والذي يقوم عليه الدليل وجوب الإنفاق ، وإن اختلف الدينان ، لقوله تعالى : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) ، وليس من الإحسان ولا من المعروف ترك أبيه وأمه في غاية الضرورة ، والفاقة ، وهو في غاية الغنى ، وقد ذم الله - تبارك وتعالى - قاطعي الرحم ، وعظم قطيعتها ، وأوجب حقها وإن كانت كافرة ، قال تعالى : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) ، وقال تعالى : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) ، وفي الحديث : " " ، " لا يدخل الجنة قاطع رحم " ، وليس من صلة الرحم ترك القرابة تهلك جوعا ، وعطشا ، وعريا ، وقريبه من أعظم الناس مالا ، وصلة الرحم واجبة وإن كانت لكافر ، فله دينه وللواصل دينه . والرحم معلقة بساق العرش تقول : يا رب ، صل من وصلني ، واقطع من قطعني
[ ص: 793 ] وقياس النفقة على الميراث قياس فاسد فإن الميراث مبناه على النصرة ، والموالاة بخلاف النفقة فإنها صلة ومواساة من حقوق القرابة ، وقد جعل الله للقرابة حقا - وإن كانت كافرة - فالكفر لا يسقط حقوقها في الدنيا ، قال الله تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ) .
وكل من ذكر في هذه الآية فحقه واجب وإن كان كافرا ، فما بال ذي القربى وحده يخرج من جملة من وصى الله بالإحسان إليه ؟ ورأس الإحسان الذي لا يجوز إخراجه من الآية هو الإنفاق عليه عند ضرورته ، وحاجته ، وإلا فكيف يوصى بالإحسان إليه في الحالة التي لا يحتاج إلى الإحسان ، ولا يجب له الإحسان أحوج ما كان إليه ؟ والله - سبحانه وتعالى - حرم قطيعة الرحم ، وإن كانت كافرة ، وترك رحمه يموت جوعا ، وعطشا ، وهو من أغنى الناس ، وأقدرهم على دفع ضرورته أعظم قطيعة .
فإن قيل : فهل تقولون بدفع الزكوات والكفارات إليه ؟
قيل : إن كان في المسألة إجماع معلوم لم يجز مخالفتهم ، وإن لم يكن فيها إجماع احتاج القول بعدم الجواز إلى دليل .
والفرق بين الزكاة ، والنفقة أن ، فرضها على الأغنياء تصرف في جهات معينة ، وهي عبادة يشترط لها الزكاة حق الله النية ، ولا تؤدى بفعل الغير ، ولا تجوز على رقيقه ، وبهائمه ، والنفقة بخلاف [ ص: 794 ] ذلك ، فقياس أحد البابين على الآخر قياس فاسد ، ثم يقال : إن لم يكن بينهما فرق ولا إجماع فالحق التسوية ، وإن كان بينهما فرق امتنع الإلحاق . ولا تسقط بمضي الزمان