الفصل الرابع جواز إطلاق تسمية الصورة عليه
وقد بينا جواز ذلك في الخبر الذي قبله، وقد بينا أنه لا يمتنع إطلاق ذلك لا على وجه الأبعاض والجوارح كما جاز إطلاق نفس وذات.
فإن قيل: ذكر الصورة يرجع إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، ويكون المعنى: رأيت ربي وأنا في أحسن صورة كما يقوله القائل: رأيت الأمير في أحسن صورة وزي، قيل: هذا غلط لأنه لم ينقل أن صفة النبي، صلى الله عليه وسلم، تغيرت في تلك الليلة، ولو كان لنقل كما نقل غيره من المخاطبة ووضع الكف وغير ذلك. وعلى أنه قد روي في الخبر ما يمنع من هذا بقوله: ولو كانت الصفة راجعة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، لقال: على وجهي وفي رجلي. "رأيت ربي في صورة شاب على وجهه فراش وفي رجليه نعلان"
فإن قيل: فيحتمل أن تكون الصورة راجعة إلى الله تعالى بمعنى أنه يحسن خلق من يشاء كما يقبح خلق من يشاء لأن أفعل قد تجيء على معنى يفعل كما وصف نفسه بأنه "حكيم" والمراد به محكم لما يفعله، قيل: هذا غلط لأنه يسقط فائدة التخصيص بتلك الليلة لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يزل مشاهدا لأفعاله في خلقه من تحسين وتقبيح، فحمله على هذا يسقط فائدة التخصيص بتلك الليلة. [ ص: 120 ]
فإن قيل: فيحتمل أن تكون الصورة راجعة إلى الله تعالى بمعنى الصفة من توفر الرب عليه في الإنعام والإقبال عليه، فيكون حسن الصورة يرجع إلى حسن الأفعال به والإكرام، قيل: هذا يسقط فائدة التخصيص بتلك الليلة، لعلمنا بأن نعمه عليه كانت ظاهرة بقيام المعجزات في المواضع التي تظهر النعم فيها، ولأنه إن صح هذا التأويل هاهنا وجب أن يصح مثله في قوله: "إنكم ترون ربكم يوم القيامة" على معنى صفته توفر إنعامه وإفضاله على أهل الجنة.
فإن قيل: فقد ذكر النقاش في "شفاء الصدور" في تفسير قوله تعالى: ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) فقال: قال رأيت عمرو بن عثمان: في المسجد الحرام في الحجر تحت الميزاب فقلت له: يا عبد الله بن أحمد بن حنبل أبا عبد الرحمن: أيش كان مذهب الشيخ في قول: "رأيت ربي في أحسن صورة"، قال: رأيته في أحسن مكان. قالوا: وهذا ينفي الصورة. قيل: الرواية الصحيحة عنه ما ذكرنا من إثبات الصورة اهـ. [ ص: 121 ]