حديث آخر .
323 - ناه بإسناده ، عن أبو القاسم أبي الأحوص الجشمي ، أنه قال : " رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي أطمار فقال : " هل لك من مال ؟ " قال : قلت : نعم ، قال : " من أي المال ؟ " قال : قلت : قد آتاني الله من الشاء والإبل ، قال : " فلتر نعمة الله وكرامته عليك " قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هل تنتج إبلك وافية آذانها ؟ " قال : وهل تنتج إلا كذلك! ولم يكن أسلم يومئذ ، قال : " فلعلك تأخذ موساك فتقطع أذن بعضها ، وتقول : هذه بحر ، وتشق أذن الأخرى فتقول : هذه صرم " قال : نعم ، قال : " فلا تفعل فإن كل ما آتاك الله حل ، وإن موسى الله أحد ، وساعد الله أشد " [ ص: 344 ] وفي لفظ آخر : " " اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات " الساعد " صفة لذاته ، كما حملنا قوله تعالى : ( موسى الله أحد من موساك ، وساعد الله أشد من ساعدك خلقت بيدي ) على ظاهره ، وأنها صفة ذات إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته ، لأنا لا نحمله على ساعد هو جارحة ، بل صفة ذات لا نعقلها ، كما أثبتنا ذاتا لا كالذوات .
فإن قيل : المراد بالساعد ها هنا : القوة ، فعبر عنها بالساعد لأنه محل للقوة ، وقد يعبر عن الشيء بمحله كما سمت العرب البصر : عينا ، والسمع : أذنا ، كذلك تسمي القدرة ساعدا ، ومنه يقال : جمعت هذا المال بقوة ساعدي ، ويراد به بالتدبير والقوة دون المباشرة بالساعد [ ص: 345 ] قيل : هذا غلط ، لأنه يوجب حمل قوله : ( لما خلقت بيدي ) معناه بالقدرة .
فإن قيل : إنما لم نحمل اليد على القدرة لأن في ذلك إبطال فضيلة آدم على إبليس ، لأن الله تعالى قال : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) على طريق التفضيل ، وليس في حمل هذا الخبر على القدرة إبطال فائدة .
قيل : ما كان يمتنع أن تحملون اليد على القدرة ، وإن أفضى إلى إبطال فضيلة آدم كما حملتم قوله : ( واصطنعتك لنفسي ) معناه : لذاتي ، وتأولتم النفس ها هنا على الذات ، وإن أفضى ذلك إلى إبطال فائدة تخصيص موسى بذلك ، لأن جميع الأنبياء اصطنعهم لذاته ، ولما لم يجز تأويل اليد على القدرة كذلك ها هنا وجواب آخر : هو أنه لو استحال إضافة اليد إليه ، لم يجز إضافتها إليه ، وإن أفضى إلى إبطال فضيلة آدم ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( ونفخت فيه من روحي ) لما لم يجز حمل ذلك على الذات ، حمل على الأمر وإن أفضى إلى إسقاط تخصيص عيسى ، لأن غير عيسى مخلوق بالأمر ، فعلم أن إضافة اليد إليه لا للمعنى الذي ذكروه وإنما ذلك لورود الشرع به ، وهذا المعنى موجود في غيره .
وأما قوله : " وموساه أحد من موساك " فقد قيل فيه : إن هذا خرج على طريق التمثيل ، لأن الموسى لما كان آلة للقطع ، وكان المراد بالخبر أن قطعه أسرع من قطعك ، عبر عن القطع بالموسى اعتبارا بعادة العرب ، وأنها تسمي الشيء باسم ما يجاوره ويقاربه ولا بأس بذلك لأن الله تعالى يجوز في صفته ضرب المثل ، قال تعالى : ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ) [ ص: 346 ] وقال : ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ) .
وإنما لم يجب حمل الموسى على أنه صفة للذات كالساعد لأن الموسى آلة ، والآلات لا تكون صفات للذات ، وليس كذلك الساعد ، لأنه قد يكون من صفات الذات بدليل كونه صفة للذات في الشاهد ، فإذا ورد الشرع بإضافته ، لم يمتنع حمله على ظاهره ، كما لم يمتنع حمل اليد والوجه على ظاهره [ ص: 347 ] .