345 - وروي عن كعب أنه قال : " " . ما نظر الله إلى الجنة قط إلا قال لها : طيبي لأهلك ، قال : فازدادت طيبا إلى ما كانت
فإن قيل : تحمل هذه الأخبار على التعطف والرحمة ، وإن الله يتعطف عليهم فيريهم نفسه ويرحمهم .
قيل : هذا غلط لأنه إن جاز أن يتأول نظره إلى الأشياء على معنى التعطف جاز أن تتأول رؤيته وبصره إلى الأشياء على معنى التعطف والرحمة وقد أثبت البصر والرؤية صفة ، كذلك النظر ولأنه إذا جاز وصفه بالرؤية والبصر إلى الأشياء جاز وصفه بالنظر ، إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه . ابن فورك
فأما قوله في حديث : جابر " بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور من فوق رؤوسهم " فلا يمتنع حمله على ظاهره ، وأنه نور ذاته ، لأنه إذا جاز أن يظهر لهم ذاته فيرونها جاز أن يظهر لهم نوره فيرونه ، لأن النور من صفات ذاته ، ومنه قوله تعالى : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) .
وأما قوله : " فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوق رؤوسهم " فلا يمتنع أيضا [ ص: 367 ] حمله على ظاهره ، وأنه إشراف ذاته ، لا على وجه الجهة ، كما جاز أن يتجلى للجبل حتى جعله دكا .
فإن قيل : يحمل قوله : " إذ سطع لهم نور " على ما يتجدد لهم من كراماته ، وإشعارهم بما يزيدهم من معارفه ، فعند ذلك يرفعون رؤوسهم ، على معنى ما يقال : فلان رفع رأسه ، إذا ارتفعت حاله عن انخفاض بما يتجدد له ، وقوله عند ذلك : " أشرف عليهم من فوق رؤوسهم " يعني : من فوق رجائهم .
قيل : هذا غلط ، لأنه إن جاز أن يحمل ظهور النور على كرامته جاز أن يحمل قوله : ( إلى ربها ناظرة ) إلى كراماته ، ولأنه إذا جاز أن يوصف أنه أشرف عليهم من فوقهم رجائهم جاز أن يوصف من فوق رؤوسهم ، لا على وجه الجهة إذ لا فرق بينهما .
فأما قوله تعالى : ( ولا ينظر إليهم ) معناه لا يتعطف عليهم ولا يرحمهم ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " ولا ينظر الله إليهم " على هذا المعنى ، ولهذا يقول القائل : انظر إلي بمعنى تعطف علي وارحمني ، وليس المراد به نفي النظر الذي هو الرؤية ، لأنه تعالى ناظرا رائيا إلى جميع الأشياء غير مستترة عنه .