348 - وفي حديث آخر : عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة إن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل " [ ص: 370 ] .
اعلم أنه غير ممتنع إطلاق وصفه تعالى بالملل لا على معنى السآمة والاستثقال ونفور النفس عنه ، كما جاز وصفه بالغضب لا على وجه النفور ، وكذلك الكراهة والسخط والعداوة ، فقال سبحانه : ( وغضب الله عليهم ولعنهم ) وقال : ( وغضب الله عليه ولعنه ) وقال : ( من لعنه الله وغضب عليه ) وقال : ( سخط الله عليهم ) وقال : ( فإن الله عدو للكافرين ) وقال : ( ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم ) .
فإن قيل : معنى الملل ها هنا الغضب ، فيكون معناه لا يغضب عليهم ولا يقطع عنهم ثوابه حتى يتركوا العمل قيل : هذا غلط ، لأن الملل قد يحصل من العبد ، فيما لا يقتضي الغضب عليه ، وهو ترك النوافل ، والخبر على هذا الوجه خرج ، ولأنه إن جاز تأويل الملل على الغضب ، جاز تأويل الغضب على الملل إذ ليس أحدهما بالتأويل أولى من الآخر ، وكلاهما مما قد ورد الشرع بإطلاقه عليه [ ص: 371 ] .
ولأن الملل والغضب في اللغة عبارة عن معنيين مختلفين ، فلا يجوز حمل أحدهما على الآخر ، ولأنه إن جاز امتناع إطلاق الملل لأن له حكما في الشاهد جاز امتناع إطلاق الغضب والرضا والإرادة لأن لها حدا في الشاهد .
فإن قيل : معناه : إن الله لا يمل إذا مللتم ، ومثل هذا قولهم : إن هذا الفرس لا يفتر حتى تفتر الخيل ، وليس المراد بذلك أنه يفتر إذا فترت الخيل ، إذ لو كان المراد به هذا ما كان له فضل عليها ، لأنه يفتر معها ، وإنما المراد به لا يفتر وإن فترت الخيل ، وكذلك قولهم في الرجل البليغ : لا ينقطع حتى ينقطع خصومه ، يريد بذلك أنه لا ينقطع إذا انقطعوا ، إذ لو كان المراد به ينقطع إذا انقطعوا لم يكن له فضل عليهم فعلى هذا يكون معنى الخبر أن الله عز وجل لا يترك الإحسان إلى عبيده ، وإن تركوا هم طاعته .
قيل : هذا غلط ، لأن الخبر قصد به بيان التحريض على العمل والحث عليه وإن قل ، فإذا حمل الخبر على استدامة الثواب مع انقطاع العمل من العامل; لم يوجد المقصود بالخبر ، لأنه يعول على التفضل ويطرح العمل .
وجواب آخر : وهو أن حتى لها ثلاثة أقسام : أحدها : أنها تكون غاية ، وتكون بمعنى كي ، وتكون بمعنى إلا أن وليست بمعنى إذا [ ص: 372 ] .