405 - وقد روى أبو الحفص العكبري بإسناده ، عن ، قال : أبي الدرداء تذاكرنا [ ص: 432 ] عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة في العمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدا لا يزاد في عمره الذي أجله الله له ، ولكن الزيادة في العمر : الرجل يموت ويدع ذرية صالحة فيدعون له من بعده ، ويتبعونه بالعمل الصالح " فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) قيل : معنى ذلك : أي من قل عمره أو كثر فهو يمضي إلى أجله الذي كتب له ، وقوله : ( ولا ينقص من عمره ) كل يوم حتى ينتهي إلى أجله ( إلا في كتاب ) ، يعني في اللوح المحفوظ مكتوب قبل أن يخلقه ، قد بين قدره ، لا أنه يكون زائدا ثم ينقص ، أو ناقصا ثم يزيد ، لأن ذلك يؤدي إلى أن لا يكون الله تعالى عالما بالأشياء قبل كونها على حسب ما يكون ، ولا يجوز ذلك في وصفه ، فعلم أن المراد به تعريفنا أن التفاوت الواقع بين الأعمال في اختلاف مددها في الطول والقصر والزيادة والنقصان ، كل ذلك في كتاب مبين على حكم واحد ، صدر عن علم سابق محيط [ ص: 433 ] والمخالف في هذا الأصل " القدرية " لأنهم يقولون بقطع الأجل ، ومعنى ذلك أن يكون الله تعالى قد جعل لبعض الأحياء مدة حياته خمسين سنة ، ثم يقتله القاتل فيجعل ذلك سنة ، ويقطع عليه بلوغه المدة التي قدر الله له ذلك .
وهذا قول يخالف ما تقدم من الكتاب والسنة ، ويؤدي إلى وصف الله عز وجل بالقهر والغلبة ، لأنه إذا أراد أن يكون أجل زيد خمسين سنة ، وأراد غيره أن يكون سنة ، فلم يمكن من بلوغه الأجل الذي أجله الله له ، وأراد أن يبلغه عليه أجله ، فقد قهره في مراده وغلبه في حكمه وذلك لا يليق بوصفه [ ص: 434 ] ولأن من قال منهم بقطع الأجل يلزمه أن يقول بزيادة الأجل إذا وصل رحمه وتجنب الآفات ، وهذا لازم لمن فرق بين الأمرين ومن جمع بين الزيادة والنقصان; فقد خالف ظاهر الكتاب والسنة فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) قيل : قد قيل في وجوه : أحدهما : أن معناه أن الله ينسخ من الأحكام ما يشاء وذلك محوه ، ويثبت فيها ما يشاء وهو إثباته وتقديره ، وقد يوصف تعالى بالنسخ والإثبات ، ولا يدعو ذلك إلى البداء ولا إلى الزيادة في العمر وقيل فيه : معناه يمحو ما سبق من الذنوب بالتوبة المتعقبة لها ، ويثبت التوبة وحكمها وقيل فيه : إنه يمحو بياض النهار ويثبت سواد الليل ، ويثبت بياض النهار ويمحو سواد الليل وقيل : معناه تعريفنا أن الإيجاد والإعدام والإثبات والنفي متعلق بمشيئته على حسب ما سبق به علمه ، وجرى به قلمه ، لا يكون ذلك إلى غيره أو من غيره [ ص: 435 ] فإن قيل : فما معنى قوله تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام إنه قال لقومه : ( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى ) - وقال عز وجل في آية أخرى : ( ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون ) قيل : أما قول نوح إنه يؤخرهم إلى أجل مسمى إن آمنوا وبلغوه يكون أجلا لهم ، ولم يثبت الله تعالى لهم أجلا لم يبلغوه ، ولا قال إلى أجل لكم مسمى ، بل لم يضف إليهم الأجل ونكره فبان أن المراد أجلا من الآجال ، لو آمنوا وبلغوه كان لهم أجلا ، يبين صحة هذا قوله في سياقها : ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ) يريد بذلك ما هو لهم أجل فدل على ما قلناه وأما قوله تعالى : ( ثم قضى أجلا وأجل مسمى ) فهو أجل الدنيا والآخرة ، ولذلك قال : ( ثم أنتم تمترون ) أي : تشكون في البعث ، وهو الأجل المسمى للثواب والعقاب ، وأجل الدنيا هو المسمى للفناء والتكليف فيه [ ص: 436 ] .