فإن قيل لا يجوز أن تكون هذه الزيادة صحيحة لأنه لا يجوز هذا في اللغة، لأن ما تقدم ذكره بالاسم الظاهر فإنه إذا أعيد ذكره كني عنه بالهاء من غير إعادة اسمه الظاهر كقولك: زيد ضرب عبده ولا يقال زيد ضرب عبد زيد والمراد بزيد الثاني الأول، وإذا لم يكن سائغا من جهة اللغة، لم يكن للاستعمال له وجه، قيل: هذا غلط لأنه قد يصح ذلك في العربية وقد ورد بذلك القرآن وأشعار العرب قال تعالى: ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) ولم يقل إلينا أو إليه، وكان يجب على ما قالوه أن يقول إلينا لئلا يعيد الاسم الأول، لأن النون هي اسم الرحمن، وقال تعالى: ( ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله ) ولم يقل: وما يعبدون من دوننا، وقال تعالى: ( فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم ) ولم يقل إنه يعلم، وقال تعالى: ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله ) ولم يقل الحمد له، وقال الشعر وهو عدي بن زيد:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقرا
فأعاد ذكر الموت بلفظه، ولم يكن عنه بالهاء ولم يقل لا أرى الموت يسبقه شيء، وقال المتلمس:فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغا لنابيه الشجاع لصمما
فإن قيل: فالهاء ترجع على الله على وجهه وهو قوله: "على صورة الرحمن" بمعنى على صفاته، فيكون معنى الصورة معنى الصفة كما يقال عرفني صورة هذا الأمر أي صفته، وذلك أن الله تعالى حي، عالم، قادر، سميع، بصير متكلم مريد، خلق آدم على صفته مما هي صفات الله تعالى حيا عالما قادرا سميعا بصيرا متكلما مختارا مريدا فميزه من الجهاد ومن البهائم، وميزه من الملائكة بأن قدمه عليهم وأسجدهم له.
ويبين صحة هذا قوله تعالى: ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) فعطف الصورة على خلق البنية.
قيل: حمله على هذا يسقط فائدة التخصيص بآدم لأن جميع ولد آدم بهذه الصفات لهم حياة وعلم وقدرة وسمع وبصر وكلام وإرادة وكذلك الملائكة لهم هذه الصفات.
فأما قوله: ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) فيحتمل أن يكون معناه خلقناكم فصورناكم، كما قال تعالى في السورة التي يذكر فيها المؤمن: ( الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ) وقال تعالى في السورة التي يذكر فيها التغابن: ( خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم ) يبين صحة هذا أن هذه الصفات ليست غير ذاته.
فإن قيل: قوله "على صورة الرحمن" معناه: على مصور الرحمن، كما يقال هذه الدار صورة فلان البناء معناه: مصوره فسمى الصورة باسم صورته، قيل: هذا غلط لأنه يسقط فائدة التخصيص بآدم لأن جميع الخلق على مصور الرحمن. [ ص: 94 ]
فإن قيل: معنى قوله "على صورة الرحمن" أن أسجد له ملائكته كما أسجدهم لنفسه، قيل: لا يصح هذا من وجوه: أحدها أن في رواية "فإن الله خلق وجه ابن شاهين: آدم على صورته".
الثاني: أن الصورة عبارة عما اختصت الذات، ولهذا قال تعالى: ( وصوركم فأحسن صوركم ) والسجود له يرجع إلى المرتبة والرفعة فلا يوصف بالصورة، ولهذا يقال: رأيت الأمير في مرتبة حسنة، إذا رآه وقد سجد له جنده، ويقول: رأيته في صورة حسنة يريد بذلك معنى يرجع إلى ذاته في اللون والقد ونحوه.
الثالث: أن سجود الملائكة له يقتضي اختصاصه بمزية وذلك لا يوجب المشاركة في تسمية الصورة كما لم يوجب ذلك في حق عيسى مع اختصاصه بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وهذا يدل على أن هذه تسمية شرعية لا يعقل معناها.
وقد قال أحمد في رواية المروذي: أما فيقول عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: ابن عمر، فنقول كما جاء الحديث. "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن"