ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل قوله تعالى :
إخواني : اعتبروا بمن مضى من الأقران ، وتفكروا في من بنى كيف بان ، تقلبت والله بهم الأحوال ولعبت بهم أيدي البلبال ، ونسيهم أحبابهم بعد ليال ، وعانقوا التراب وفارقوا المال ، فلو أذن لصامتهم لقال :
من رآنا فليحدث نفسه أنه موف على قرب زوال وصروف الدهر لا يبقى لها
ولما تأتي به صم الجبال رب ركب قد أناخوا حولنا
يشربون الخمر بالماء الزلال والأباريق عليها قدم
وعتاق الخيل تردى في الجلال [ ص: 215 ] عمروا دهرا بعيش حسن
آمني دهرهم غير عجال ثم أضحوا لعب الدهر بهم
وكذلك الدهر حال بعد حال
لا بد للإنسان من ضجعة لا تقلب المضجع عن جنبه
ينسى بها ما كان من عجبه بما أذاق الموت من كربه
نحن بنو الموتى فما بالنا نعاف ما لا بد من شربه
يموت راعي الضأن في جهله موتة جالينوس في طبه
وربما زاد على عمره وزاد في الأمن على سربه
وغاية المفرط في سلمه كغاية المفرط في حربه
خلج والله البين من القوم من خلج ، وأم الموت آملهم فلا تسأل كيف انزعج ، واستنزل عاليهم في أعالي الدرج فدرج ، وساروا في عسكر البلى فأتلفهم الوهج ، وزفرت أبدانهم بعد طيب الأرج ، ونسج لهم البلى ثوبا فيا بئس ما نسج ، وعاموا في بحر الأسى فلجج بهم في اللجج ، ولقيهم من البلايا ما ضوعف وازدوج ، واستغاثوا ولكن في غير أوان الفرج ، وطلبوا راحة ولكنه زمان الحرج ، وسئلوا فعدموا تصحيح الجواب وتحقيق الحجج ، فيا أسفا لمسؤولهم لا فاز ولا فلج :
إن قومي صدعتهم نوبة شقق البرد اليماني يعط
قل لأحداث رمى الدهر بهم فهم في رقع الدهر نقط
ذاقهم مستحليا أرواحهم ورأى المضغ طويلا فاشترط
وتواق غير باقين وكم يلبث القارب من بعد الفرط
وإذا كشفت ما يرمضني من مضيض الداء قال الحلم غط
رب مشغول بلذاته عن ذكر تخريب ذاته ، يلهو بأمله عن تجويد عمله ، يتقلب في أغراضه ناسيا قرب إمراضه ، بغته الفاجع بباسه فأخذ عن أهله وجلاسه . يا أهل الذنوب لا يغرنكم الإمهال فإنما هي أيام وليال ،