يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله قوله تعالى :
معنى تلهكم : أي تشغلكم ، وفي المراد بذكر الله تعالى أربعة أقوال : أحدها : طاعته في الجهاد ، رواه عن أبو صالح ، والثاني : الصلاة المكتوبة ، قاله ابن عباس والثالث : الفرائض كلها ، قاله الضحاك ، والرابع : أنه على إطلاقه فحضهم على إدامة الذكر ، قاله الزجاج ، قال بعض السلف : عطاء ، كل شيء يشغلك عن الله عز وجل من مال وولد فهو مشئوم عليك .
[ ص: 332 ] قوله تعالى : وأنفقوا من ما رزقناكم في هذه بالنفقة ثلاثة أقوال : أحدها الزكاة ، قاله ، والثاني : النفقة في الحقوق الواجبة بالمال ، قاله ابن عباس الضحاك ، والثالث : صدقة التطوع ، ذكره الماوردي ، فيكون على هذا القول ندبا وعلى ما قبله واجبا .
من قبل أن يأتي أحدكم الموت أي من قبل أن يعاين ما يعلم معه أنه ميت قوله تعالى فيقول رب لولا أي هلا أخرتني إلى أجل قريب يريد بذلك الاستزادة في أجله ليتصدق .
قوله تعالى : وأكن من الصالحين وقرأ : " وأكون من الصالحين " قال أبو عمرو من قرأ " وأكون " بالواو فهو على لفظ فأصدق ، ومن جزم : الزجاج : وأكن فهو على موضع فأصدق ، لأن المعنى : إن أخرتني أصدق وأكن ، قال : ابن عباس فأصدق أزكي مالي . وأكن من الصالحين أي أحج مع المؤمنين ، قال : وما من أحد يموت قد كان له مال لم يزكه وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت .
واعلم أن أفضل الصدقة في حال الصحة والسلامة .
أخبرنا ابن عبد الواحد ، أنبأنا ، أخبرنا ابن المذهب أبو بكر بن مالك ، حدثنا ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، عن جرير بن عبد الحميد ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة رضي الله عنه قال : أبي هريرة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الصدقة أفضل ؟ قال : " أن تصدق وأنت شحيح صحيح تأمل البقاء وتخاف الفقر ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا ، ألا وقد كان لفلان " .
أخرجاه في الصحيحين :
أخبرنا محمد بن عمر الفقيه ، أخبرنا محمد بن علي بن المهتدي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن الصباح ، حدثنا محمد بن معن ، حدثنا محمد بن محمد بن حيان ، حدثنا حدثنا محمد بن كثير ، سفيان ، عن عن أبي إسحاق ، أبي حبيبة الطائي ، عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي الدرداء " الذي يعتق عند الموت كمثل الذي يهدي إذا شبع " .
[ ص: 333 ] وقيل إن فلانا أعتق كل مملوك له يعني عند الموت ، فقال : يعصون الله مرتين : يبخلون به وهو في أيديهم ، حتى إذا صار لغيرهم أسرفوا فيه ! . لميمون بن مهران :
وليعلم البخيل أن ما أخرجه له وما تركه لغيره .
وفي أفراد من حديث البخاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ابن مسعود " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ " قالوا : يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه ، قال : " فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر " .
وفي أفراد من حديث مسلم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أبي هريرة " يقول العبد : مالي مالي ، وإنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فاقتنى ، ما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس " .
أخبرنا الكروخي ، أنبأنا الأزدي والغورجي ، قالا : أنبأنا الجراحي ، حدثنا المحبوبي ، حدثنا الترمذي ، حدثنا ، حدثنا محمد بن بشار ، عن يحيى بن سعيد سفيان ، عن ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة رضي الله عنها عائشة أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما بقي منها ؟ قالت : ما بقي منها إلا كتفها ، قال : بقي كلها إلا كتفها " .
من علم فضل الإيثار بالصدقة حمل النفس على الإخراج .
بعث إلى بمال عظيم ففرقته على الفقراء فقالت جاريتها : لو خبأت درهما نشتري به لحما نفطر عليه ؟ فقالت : لو ذكرتيني لفعلت . عائشة
بالجد فاز من فاز ، وبالعزم جاز من جاز ، وما حاز الثناء من للمال حاز .
وسائل عنهم ماذا تقدمهم فقلت فضل به عن غيرهم بانوا كما عرضوا للمنايا الحمر أنفسهم
فحان قوم توقوها وما حانوا وألهج الحمد بالأبطال بينهم
أن ليس بينهم للمال إبطان
أعاذل إن المال غير مخلد وإن الغنى عارية فتزود
فكم من جواد يفسد اليوم جوده وساوس قد خوفته الفقر في غد
قال أعرابي لأخيه : إن مالك إن لم يكن لك كنت له ، فكله قبل أن يأكلك .
كم مخلف لمتخلف ، ترك لمن لا يحمده وقدم على من لا يعذره ، ران على القلوب حب الدنيا فجمعتها كف الشره ، وتمسكت بها أيدي البخل ، فلو تلمحت معنى : من ذا الذي يقرض أو اشتقت إلى أرباح فيضاعفه لرأيت إنفاق كل محبوب حقيرا في جنب ما ترجو .
فتدبروا إخواني أحوالكم ، وأنفقوا في الخير أموالكم ، فإن المال إذا أخذتم في سيركم لغيركم .
يا مال كل جامع وحارث أبشر بريب حادث ووارث
إن الغنى والفقر غير لابث ولا يهاب الموت نفث نافث
قد يحصد الجنة غير الحارث ويدهق الدلو لغير النابث
جد الزمان وهو مثل العابث أقسم أن يسيء غير حانث
فهكذا يقول المال فاحذروا .
كان ملك الموت يأتي الناس في صورة البشر ، فركب بعض الجبارين في جنده يوما فلقيه ملك الموت فقال : من أنت ؟ قال : أنا ملك الموت ، فقال : دعني آتي أرضي التي خرجت إليها ثم أرجع من موكبي ، فقال : لا والله لا ترى أرضك أبدا ولا ترجع من موكبك أبدا ، قال : فدعني أرجع إلى أهلي ، فقال : لا والله لا ترى أهلك أبدا ، فقبض روحه .
وبينا رجل ينظر في أصناف ماله طلع ملك الموت فقال : والذي خولك ما ترى ما أنا بخارج من منزلك حتى أفرق بين روحك وبدنك ، قال : فالمهلة حتى أفرقه ، قال : هيهات ! انقطعت عنك المهلة .
ولاح ملك الموت لرجل فقال لأهله : ايتوني بصحيفة ، فقال ملك الموت : الأمر أعجل من ذلك ، فقبض روحه قبل أن يؤتى بالصحيفة .
إخواني : استدركوا قبل الفوت وانتهوا قبل الموت ، وأصيخوا فقد أسمع الصوت .