في داود عليه السلام قصة
الحمد لله رب الأرباب ومسبب الأسباب ومنزل الكتاب ، حفظ الأرض بالجبال من الاضطراب ، وقهر الجبارين وأذل الصعاب ، وسمع خفي النطق ومهموس الخطاب ، وأبصر فلم يستر نظره حجاب ، أنزل القرآن يحث فيه على اكتساب الثواب ، وزجر عن أسباب العقاب كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ابتلى المصطفين بالذنوب ليعلم أنه تواب ، أما سمعت بزلة آدم وما جرى من عتاب وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب .
أحمده على رفع الشك والارتياب ، وأشكره على ستر الخطايا والعاب ، وأقر له بالتوحيد إقرارا نافعا يوم الحساب ، وأعترف لنبيه محمد أنه لباب اللباب ، صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبه خير الأصحاب ، وعلى أبي بكر الذي إذا ذكر في مجلس طاب ، وعلى عمر المقتول ظلما وما تعدى الصواب ، وعلى عثمان البدر يوم علي بدر والصدر يوم الأحزاب ، وعلى عمه الذي نسبه أشرف الأنساب . العباس
اللهم يا من ذلت جميع الرقاب وجرت بأمره عزالي السحاب ، احفظنا في الحال والمآب ، وألهمنا التزود قبل حلول التراب ، وارزقنا الاعتبار بسالفي الأتراب ، وأرشدنا عند السؤال إلى صحيح الجواب ، وهب لشيبنا معاصي الشباب ، وارزقني والحارضين عمارة القلوب الخراب ، برحمتك يا كريم يا وهاب .
وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب المعنى : قد أتاك فاستمع له نقصصه عليك . قال الله عز وجل :
والخصم يصلح للواحد والاثنين والجماعة والذكر والأنثى تسوروا يدل على علو والمحراب ها هنا كالغرفة . قال الشاعر :
ربة محراب إذا جئتها لم ألقها أو أرتقي سلما
إذ دخلوا على داود وهو داود بن إيشا بن عويد من نسل يهوذا بن يعقوب .وكان مبدأ أمره أن الله تعالى لما بعث طالوت ملكا خرج من بني إسرائيل معه ثمانون [ ص: 230 ] ألفا لقتال جالوت ، فقالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، فلم يثبت معه غير ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وكان فيهم أبو داود وثلاثة عشر ابنا له ، وداود أصغرهم ، وإنه مر بثلاثة أحجار فكلمنه وقلن : يا داود خذنا معك تقتل بنا جالوت . فأخذهن ومشى إلى جالوت فوضعهن في قذافته فصارت حجرا واحدا ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت فقتله ، ثم هلك طالوت داود وجعله الله نبيا ، وأنزل عليه الزبور وعلمه صنعة الحديد وألانه له ، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه ، وكان إذا قرأ الزبور خضع له الوحش حتى تؤخذ بأعناقها . فملك
وكان كثير التعبد ، فتذاكر بنو إسرائيل يوما عنده : هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا ؟ فأضمر أنه يطيق ذلك ، فابتلي يوم عبادته بالنظر ، وذلك أنه رأى طائرا في محرابه فمد يده إليه فتنحى فأتبعه بصره فإذا بامرأة فخطبها ، مع علمه أن أوريا قد خطبها ، فتزوجها ، فاغتم أوريا ، فعوتب إذ لم يتركها لخاطبها الأول .
هذا أجود ما قيل في فتنته ويدل عليه قوله تعالى : وعزني في الخطاب .
فأما ما ينقل أن زوجها بعث في الغزوات حتى قتل ، فلا يجوز أن يكون صحيحا .
فجاءه الملكان فتسورا عليه من سور داره ففزع منهم لأنهما أتياه على غير صفة مجيء الخصوم وفي غير وقت الحكومة وتسوروا من غير إذن خصمان مرفوع بإضمار نحن . و
وهذا مثل ضرباه له والتقدير : ما تقول إن جاءك خصمان ؟ وقال ابن الأنباري : نحن كخصمين ومثل خصمين فسقطت الكاف وقام الخصمان مقامهما ، تقول العرب : عبد الله القمر حسنا . أي مثل القمر ، قالت هند بنت عتبة :
من حس لي الأخوين كال غصنين أو من راهما
أسدين في غيل يحي د القوم عن عرواهما
صقرين لا يتذللا ن ولا يباح حماهما
رمحين خطيين في كبد السماء تراهما
ولا تشطط ، أي لا تجر يقال شط وأشط إذا جار قوله تعالى : واهدنا إلى سواء الصراط أي إلى قصد الطريق . والمعنى : احملنا إلى الحق .
[ ص: 231 ] فقال داود : تكلما . فقال أحدهما : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة قال كنى عن المرأة بالنعجة . قال المفسرون : إنما ذكر هذا العدد لأنه الزجاج : داود عدد نساء فقال أكفلنيها أي انزل أنت عنها واجعلني أنا أكفلها وعزني في الخطاب أي غالبني قال إن دعا ودعوت كان أكثر مني وإن بطش وبطشت كان أشد مني . ابن عباس :