يوم يبعثهم الله جميعا قوله تعالى :
البعث : إخراج أهل القبور أحياء عند النفخة الثانية في الصور ، وذلك أن الله تعالى ينزل من السماء ماء فتنبت الأجساد في القبور ، فتعود كما كانت ، ثم ينفخ إسرافيل في الصور فتنشق القبور ، فيقومون جميعا إلى العرض والحساب فينبئهم بما عملوا من المعاصي وتضييع الفرائض أحصاه الله أي حفظه ونسوه .
أخبرنا أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب حدثنا أحمد بن جعفر ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، عفان ، حدثنا همام ، حدثنا ، عن قتادة عن صفوان بن محرز ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ابن عمر " إن الله عز وجل يدني المؤمن ويضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له : أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم " . أخرجاه في الصحيحين .
وبالإسناد حدثنا ، قال حدثنا أحمد قال حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن المعرور بن سويد ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي ذر " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه فتعرض عليه ويخبأ عنه كبارها ، فيقال عملت كذا وكذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من كبارها فيقال أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة ، قال : فيقول إن لي ذنوبا ما أراها ، قال أبو ذر فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه " .
انفرد بإخراجه مسلم .
[ ص: 286 ] وفي إفراده من حديث عن الشعبي ، قال : أنس كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك وقال : هل تدرون مم أضحك ؟ قال : فقلنا الله ورسوله أعلم ، قال : من مخاطبة العبد ربه عز وجل يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى ، قال : فيقول : إني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا ، قال : فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي ، قال فتنطق بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل .
إخواني : ما من الموت بد ، باب البقاء في الدنيا قد سد ، كم قد في القبر قد قد ، كم خد في الأخدود قد خد ، يا من ذنوبه لا تحصى إن شككت عد ، يا من أتى باب الإنابة كاذبا فرد ، يا شدة الوجل عند حضور الأجل ، يا قلة الحيل إذا حل الموت ونزل ، يا قوة الأسى إذا نوقش من أسا ، يا خجل العاصين ، يا حسرة المفرطين ، يا أسف المقصرين ، يا سوء مصير الظالمين ، كيف يصنع من بضائعه القبائح ، كيف يفعل من شهوده الجوارح ، عدموا والله الوسيلة ، وأظلمت في وجوههم وجوه الحيلة ، أصبحوا جثيا على ركبهم ، مأسورين بما في كتبهم ، لا يدرون ما يراد بهم ، قد جمعوا في صعيد ينتظرون حلول الوعيد ، والأرض بالخلق كلهم تميد ، والعبرات على العثرات تزيد ، إن بطش ربك لشديد ، زفرت والله الحطمة في وجوه الظلمة فذلوا بعد العظمة ، وخرسوا عن كلمة .
إخواني : ، يا مشاهدا حاله بحال الحيرة ، ألك عدة أم لك ذخيرة ، هذا الملك يحصي عملك حرفا حرفا ، ويملي فيملأ بالخطايا صحفا ، يا من جمرات حرصه على الهوى ما تطفى ، وقد أشفى به مرض ما أراه يشفى ، إلام هذا التعليل ، كم نقومك وتميل ، متى يبرأ هذا العليل ، يا مقابلا جميلنا بغير الجميل ، آن رحيلا فأعد الزاد ، آن معادا فاذكر المعاد ، ألا يهلك العمر وإن تمادى . أيام أعماركم قصيرة ، وقد ضاعت على بصيرة ، وآخر الأمر حفيرة فيها أهوال كثيرة
أيها المعرض عنا تذكر عرضك ، أيها الراقد في غفلته اذكر غمضك ، أيها الذليل بالمعاصي اذكر عرضك ، كم عتاب ما أمرضك ولا أمضك .
ويحك ! استصغر أملا يمنعه الفوت ، استقصر أجلا يقطعه الموت .
أقبل على العقل مستشيرا فكفى به نصيحا ونذيرا ، إنه ليحل نقاب الشبه بأنامل البيان .
أولا يعلم العاصي أنه قد غرس لنفسه شجرة يتساقط عليه كل حين منها ثمرة ندم من غير هز ، فإذا قام في القيامة شاهد أغصان ما غرس قد تعاظمت حتى أخذت بر البر ، فإن [ ص: 287 ] غفر له لم يزل حييا مما جنى ، وإن عوقب ذاق مر الجنى ، وهذا الأسى الطويل إنما جره جرجرة الهوى ، ولو قنع بالطاق التي تسمع بها عين المباح لارتوى من غير أذى .
المرء في تأخير مدته كالثوب يخلق بعد جدته ومصيره من بعد معرفة
للناس ظلمة بيت وحدته من مات مال ذوو مودته
عنه وحالوا عن مودته عجبا لمنتبه يضيع ما
يحتاج فيه ليوم رقدته أزف الرحيل ونحن في لعب
ما نستعد له بعدته
وا أسفا : هذا حال وما عرف منه إلا الحسن فكيف يكون حالنا إذن مع ما لنا من محن . الحسن
يا من قد لعب الهوى بفهمه ، وسودت شهواته وجه عزمه ، يا مبنيا عن عزم الباني على هدمه ، يا محمولا إلى البلى لتمزيق لحمه ، أما يكفيه منذرا وهن عظمه ، كم نقربك وأنت متباعد ، كم ننهضك إلى العلا يا قاعد ، كم نحرضك وما تساعد ساعد ، كم نوقظك وأنت في اللهو راقد ، يا أعمى البصيرة وما له قائد ، يا قتيل الأمل لست بخالد ، يا مفرق الهموم والمقصود واحد ، إن لاحت الدنيا فشيطان مارد ، تقاتل عليها فتكر وتطارد ، فإذا جاءت الصلاة فقلب غائب وجسم شاهد ، وتقول قد صليت أتبهرج على الناقد ، ما تعرفنا إلا في أوقات الشدائد ، أما ذنوبك كثيرة فما للطرف جامد ، ملكك الهوى ونحن نضرب في حديد بارد .
وربما غوفص ذو غفلة أصح ما كان ولم يستقم
يا واضع الميت في قبره خاطبك القبر فلم تفهم
وقبل شخوص المرء يجمع زاده وتملأ من قبل الرماء الكنائن
حصادك يوما ما زرعت وإنما يدان المرء يوما بما هو دائن