جدوا فقد زمت مطاياكم لنقلكم عن دار دنياكم وحصلوا زادا لمسراكم
من قبل أن تدنو مناياكم إيمانكم دعوى فطوبى لكم
إن صح في الإيمان دعواكم
مكتوب في التوراة : يا عبدي أما تستحي مني ! يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرأه وتتدبره حرفا حرفا حتى لا يفوتك منه شيء ، وهذا كتابي أنزلته إليك وأنت معرض عنه ، أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك ! يا عبدي : يقعد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك ، وها أنا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني .
[ ص: 304 ] كان السلف لمعرفتهم بالمتكلم يلهجون بتلاوة القرآن .
قال رضي الله عنه : عثمان بن عفان لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم .
وكان يختم في الشهر تسعين ختمة ، وكان كرز بن وبرة يختم كل يوم وليلة ثلاث ختمات . كهمس بن الحسن
وكان في السلف من يمنعه التفكر من كثرة التلاوة فيقف في الآية يرددها .
قام ليلة إلى الصباح بآية : تميم الداري أم حسب الذين اجترحوا السيئات وقام ليلة بآية : سعيد بن جبير وامتازوا اليوم أيها المجرمون .
وقال سليمان الداراني : إني لأتلو الآية وأقيم فيها أربع ليال أو خمسا ، ولولا أني أقطع الفكر فيها ما جاوزتها .
وقال بعض السلف : لي في كل جمعة ختمة ، وفي كل شهر ختمة ، وفي كل سنة ختمة ، ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد .
وقال أسلم بن عبد الملك : صحب رجل رجلا شهرين فما رآه نائما لا ليلا ولا نهارا ، فقال : ما لي أراك لا تنام ؟ فقال : إن عجائب القرآن أطرن نومي فما أخرج من أعجوبة إلا وقعت في أخرى .
وقال ابن مسعود : من أراد علم الأولين والآخرين فليكثر تلاوة القرآن .
يا معرضا عن تلاوة القرآن مشغولا باللهو والهذيان ستدري من يندم يوم الخسران ، استدرك ما قد فات من هذا الزمان ، وقم في الأسحار فللسحر مع الرحمة شان ، وسل العفو عما سلف منك وكان .
مولاي جئتك والرجا ء قد استجار بحسن ظني
أبغي فواضلك التي تمحو بها ما كان مني
فانظر إلي بحق لطـ ـفك يا إلهي واعف عني
لا تخزني يوم المعا د بما جنيت ولا تهني
بسم الله الرحمن الرحيم ، من الناصح الشفيق والطيب الرفيق ، إلى من سلب حلاوة الذكر والتلذذ بالقرآن : بلغني أنك اشتريت قينة بعت بها حظك من الآخرة ، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل والقرآن بالقيان فإني محذرك هاذم اللذات ومنغص الشهوات ، فكأنه قد جاءك على غرة فأبكم منك اللسان وهد منك الأركان وقرب منك الأكفان ، واحتوشك من بين الأهل والجيران ، وأحذرك من الصيحة إذا جاءت الأمم لملك جبار .
ثم طوى الكتاب وبعثه إليه ، فوافاه وهو على مجلس سروره ، فأذهله وأغصه بريقه ، فنهض من مجلسه وعاد إلى اجتهاده حتى مات .
قال الذي وعظه : فرأيته في المنام بعد ثلاث فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال :
الله عوضني ذو العرش جارية حوراء تسقيني طورا وتهنيني
تقول لي اشرب بما قد كنت تأملني وقر عينا مع الولدان والعين
يا من تخلى عن الدنيا وأزعجه عن الخطايا وعيد في الطواسين
وأي هوى أو أي لهو أصبته على لذة إلا وأنت مفارقه
وترخي على السوء الستور وإنما تقلب في علم الإله خلائقه
ألا أيها الباكي على الميت بعده رويدك لا تعجل فإنك لاحقه
وما هذه الساعات إلا على الفتى تغافصه طورا وطورا تسارقه
أرى صاحب الدنيا مقيما بجهله على ثقة من صاحب لا يواثقه
سل الأجداث عن صور بلينا وعن خلق نعمن فصرن طينا
وعن ملك تغرر بالأماني وكان يظن أن سيعيش حينا
لقد أبت القبور على حزين أتاها أن تفك له رهينا
هي الدنيا تفرق كل جمع وإن ألف القرين بها القرينا