في فضائل عثمان بن عفان
الحمد لله الذي لم يزل قديما دائما ، وخبيرا بالأسرار عالما ، قرب من شاء فجعله صائما قائما ، وطرد من شاء فصار في بيداء الضلال هائما ، يفعل ما يريد وإن يأبى العبد راغما ، ويقبل توبة التائب إذا أمسى نادما ، أحمده حمدا من التقصير سالما ، وأصلي على رسوله محمد الذي سافر إلى قاب قوسين ثم عاد غانما ، وعلى صاحبه الذي لم يزل رفيقا ملائما ، وعلى أبي بكر الذي يعبد ربه مسرا كاتما ، وعلى عمر الذي قتل مظلوما ولم يكن ظالما ، وفيه أنزل : عثمان أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما وعلى الذي كان في العلوم بحرا وفي الحروب صارما ، وعلى عمه علي الذي لم يزل حول نصرته حائما . العباس
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واجعل ذكر الآخرة لقلوبنا ملازما ، ووفقنا للتوبة توفيقا جازما ، وذكرنا رحيلنا قبل أن نرى الموت هاجما ، واقبل صالحنا واغفر لمن كان آثما .
أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري ، أخبرنا أبو طالب العشاري ، أنبأنا ابن سمعون ، حدثنا محمد بن يونس المطرز ، حدثنا يعقوب بن إسحاق المكتب ، حدثنا يحيى بن سليمان المحاربي ، حدثنا ، عن مسعر بن كدام عطية ، عن رضي الله عنه ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل رافعا يديه يدعو أبي سعيد الخدري يقول : اللهم لعثمان بن عفان رضيت عنه فارض عنه . إلى أن طلع الفجر . عثمان
اعلم أن رضي الله عنه ممن تقدم إسلامه قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان دار الأرقم ، فلما أسلم أخذه عمه فأوثقه رباطا فلما رأى صلابته في دينه تركه . وهاجر إلى الحكم بن أبي العاص أرض الحبشة الهجرتين ، ومعه فيها رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ، أنبأنا هبة الله بن محمد ، خبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، حدثني عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبي الحجاج ، حدثنا ، حدثني ليث عقيل ، عن ، عن ابن شهاب يحيى بن سعيد بن العاص ، أخبره أن سعيد بن العاص زوج النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 349 ] عائشة وعثمان حدثاه أن استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط أبا بكر ، فأذن عائشة وهو على حاله ، فقضى إليه حاجته ثم انصرف . قال : وكذا لأبي بكر قال عمر . ثم استأذنت عليه فجلس وقال عثمان : اجمعي عليك ثيابك . قال : فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت ، فقالت لعائشة يا رسول الله ما لي لا أراك فزعت لا عائشة : ولا لأبي بكر لعمر كما فزعت قال : لعثمان ؟ رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة أن لا يبلغ إلي في حاجته . عثمان إن أن
قال وقال جماعة من الناس : الليث : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا نستحي ممن تستحي منه الملائكة " .
قال وحدثنا أحمد أبو قطن ، حدثنا ، عن يونس ، يعني ابن أبي إسحاق أبيه ، ، قال : أشرف أبي سلمة بن عبد الرحمن من القصر وهو محصور فقال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عثمان حراء إذ اهتز الجبل فوكزه برجله ثم قال : اسكن حراء ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد وأنا معه ؟ فانتشد له رجال . فقال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إلى المشركين أهل مكة قال : هذه يدي وهذه يد فبايع لي ؟ فانتشد له رجال . ثم قال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قال : " من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد ببيت له في الجنة " ؟ فابتعته من مالي فوسعت به المسجد ؟ فانتشد له رجال . قال : وأنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جيش العسرة قال : من ينفق اليوم نفقة متقبلة ؟ فجهزت نصف الجيش من مالي ؟ قال : فانتشد له رجال . قال : وأنشد بالله من شهد عثمان . بئر رومة يباع ماؤها لابن السبيل فابتعتها من مالي وأبحتها ابن السبيل ؟ فانتشد له رجال . عن
جاء عبد الرحمن بن سمرة : بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقلبها ويقول ما ضر عثمان ما فعل بعد هذا . عثمان وقال
عبد الرحمن بن خباب : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على جيش العسرة فقام فقال : يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حث على [ ص: 350 ] الجيش فقام عثمان فقال : يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، قال : ثم حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيش فقام عثمان فقال : يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله . قال عثمان ما عمل بعد اليوم عثمان " . عبد الرحمن فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول : " ما على وقال
رضي الله عنها قالت : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا عائشة لو كان عندنا من يحدثنا ؟ فقلت : ألا أبعث إلى عائشة فسكت ثم قال : لو كان عندنا من يحدثنا ؟ فقلت : ألا أبعث إلى أبي بكر ؟ فسكت ثم دعا وصيفا بين يديه فساره فذهب ، قالت : فإذا عمر ؟ يستأذن فأذن له فدخل . فناجاه النبي صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال : يا عثمان إن الله عز وجل مقمصك بقميص ، فإن أراد المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة . يقولها له مرتين أو ثلاثا . عثمان وروت
وقال مطرف : لقيت عليا فقال لي : يا ما أبطأ بك عنا ؟ أحب أبا عبد الله أما إن قلت ذلك لقد كان أوصلنا للرحم وأتقانا للرب تعالى . عثمان ؟
وقال رأيت الحسن : يقيل في المسجد وهو يومئذ خليفة ويقوم وأثر الحصى بجنبه فنقول : هذا أمير المؤمنين ، هذا أمير المؤمنين . عثمان بن عفان
قال شرحبيل بن مسلم : كان يطعم الناس طعام الإمارة ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت . وقال عثمان ابن سيرين حين أطافوا به يريدون قتله : إن تقتلوه أو تتركوه فإنه كان يحيي الليل في ركعة يجمع فيها القرآن ! عثمان قالت امرأة
وقال جاء ابن عمر : إلى علي يوم الدار وقد أغلق الباب ومعه عثمان وعليه سلاحه فقال الحسن بن علي للحسن : ادخل إلى أمير المؤمنين وأقرئه السلام وقل له : إنما جئت لنصرتك فمرني بأمرك . فدخل ثم خرج فقال الحسن لأبيه : إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك : لا حاجة لي في قتال وإهراق الدماء . قال : فنزع عمامة سوداء فرمى بها بين يدي الباب وجعل ينادي : علي ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين .
[ ص: 351 ] وكان رضي الله عنه يقول : إني لأرجو أن أكون أنا علي وعثمان ممن قال الله عز وجل (فيهم ) ونزعنا ما في صدورهم من غل .
رأى الرسول في منامه ليلة قتله وهو يقول : أفطر عندنا الليلة . فأصبح صائما ، فلما دخلوا عليه ضربه رجل بالسيف فقطع يده فقال : أما والله لأول كف خطت المفصل .
شفت العبرة بالنطق شفت وأكف الزجر بالوعظ كفت قد رأينا في الدنا من عاهدت
ورأينا غدرها إذ ما وفت إن صفت عادت بتكدير الذي
قد صفا يا ويحها ما أنصفت حلفت أن تخلف الماضي وما
أخلفت إلا بأن قد أخلفت وقفت لهو النفوس ساعة
ثم غالت وقفت فيما قفت ما عجبنا من مكر مكرها
بل عجبنا من نفوس عرفت
إخواني : قد أعذرت إليكم الأيام بمن سلب من الأنام ، وأيقظت الخطوب من غفل ونام ، وما على المنذر قبل الأخذ ملام ، أما علمتم أن هذه الدنيا غدارة ، أما برد لذتها ينقلب حرارة ، أما ربحها على التحقيق خسارة ، أما ينقص الدين كلما ازدادت عمارة ، لا تغرنكم فكم قد غرت سيارة ، أما قتلت أحبابها وإليك الإشارة ، إذ قال حبيبها : إنها لي ومعي . قتلته وقالت اسمعي يا جارة ، بينا نورها قد لاح وسنح ومحبها في بحرها قد سبح ، يسعى في جمعها على أقدام المرح ، كلما جاء بابا من أبوابها فتح ، وكلما عانى أمرا من أمورها صلح ، وكلما لاحت له رياض غياضها مرح ، فبينا هو في لذاته يدير القدح ، قدح زناد الغم في حراق الفرح ، فمن يستدرك ما فات ومن يداوي ما جرح ، ما نفعه أن نزح الجفن دمعه إذا نزح . لو رأيته وقت التلف شاخصا ، وفي سكرات الأسف غائصا ، وقد عاد ظل الأمل قالصا ، ولون السرور حائلا ناقصا ، ولاح صائد المنون لطريدته قانصا ، يتمنى وقد فات الوقت ، وينظر إلى نفسه بعين المقت ، ويصيح إلى نصيحه : قد صدقت ، أمل فخانه الأمل ، وندم على الزاد لما رحل ، فلو حمل جبلا ما حمل .
تمنت أحاليب الرعاء وخيمة بنجد فلم يقدر لها ما تمنت
إذا ذكرت نجدا وطيب ترابه وبرد حصاه آخر الليل حنت
رب يوم معدود ليس في العدد ، رحل الإخوان ومروا على جدد ، هذه ديارهم سلوها ما بقي أحد ، مضت والله والخيل بفرسانها ، وتهدمت الحصون على سكانها ، وخلت ديار القوم من قطانها فجز عليها واعتبر بشأنها .
[ ص: 352 ]
يا خليلي أسعداني على الوجـ ـد فقد يسعد الحميم الحميم
وقفا بي على الديار فعندي مقعد من سؤالها ومقيم
تنبه لنفسك أيها المظلوم ، تيقظ من رقداتك فإلى كم نوم ، حصل شيئا ترضي به الخصوم ، قتلك هم الدنيا فبئس الهموم ، أتلعب بالأبتر ولم تشرب درياق السموم ، قد بقي القليل فبادر تحصيل المروم ، هذا هاجم الموت قد تهيأ للهجوم .
يا فتي الهم مع كبره وقليل الحظ من عمره
كن مع الدنيا على حذر فأمان المرء في حذره
واتخذ زادا لمنتظر شأنه إزعاج منتظره
أتجتلي من الهوى كل يوم عروسا ، وتدير في مجالس الغفلة كؤوسا ، وتملأ بالأموال كيسا كبيسا ، وتنسى يوما شديدا عبوسا ، كم تلقى فيه هولا وكم ترى بوسا تخشع فيه الأبصار وقد كانت شوسا ، وينزعج لزلازله إبراهيم وموسى ، والخلائق للفزع قد نكسوا رؤوسا ، وجاؤوا عراة لا يملكون ملبوسا ، وصار كل لسان منطلق محبوسا ، يا من تصير غدا في التراب مرموسا ، يا من لا يجد في لحده غير عمله أنيسا ، يا من سيعود عوده بعد التثني يبيسا ، يا مؤثرا رذيلا ومضيعا نفيسا ، من لك إذا أوقد الموت في الدار وطيسا ، وأخلى ربعا قد كان يجمعك مأنوسا ، فالبدار البدار لقد رحل لك عيسا ، وتب فالتوبة تطرد الشيطان وما يلبث الدجال مع عيسى .
أفق وابك حانت كبرة ومشيب أما للتقى والحق فيك نصيب
أيا من له في باطن الأرض منزل أتأنس بالدنيا وأنت غريب
وما الدهر إلا مر يوم وليلة وما الموت إلا نازل وقريب