المجلس الثالث والثلاثون
في فضل الصحابة رضي الله عنهم
الحمد لله القديم الأحدي ، العظيم الصمدي ، الدائم الأبدي ، القائم السرمدي ، رفع بقدرته السماء وأجرى بحكمته الماء ، وعلم آدم الأسماء ، وأمكنه من العيش الهني ، فخالف بالأكل الصواب ، فكشف الخلاف عنه الجلباب ، فخرج وما يعرف الباب لشؤم ارتكاب المنهي ، ويستدرك سالف الفوات حتى عطفت على تلك العبرات رحمة الراحم الخفي ، فاحذر من الأفعال الخباث فإنها سبب الالتياث ، وتعلق بالمستغاث ينقذك من جهل العلماء فإنه سريع الفرج ، إذا اشتد الأمر ضيقا فرج وما جعل عليكم في الدين من حرج رفقا بالضعيف والقوي .
من لاذ بجنابه مريضا صلح ، من عاذ ببابه سائلا فتح ، سبحانه لقد جاد وسمح وحتى على الفاجر الشقي ، ذل لجلاله من شمخ ، وقل لكماله من بذخ ، وخرج الليل بقدرته وانسلخ عن النهار النقي ، تفرد بالإنعام والجود ، وأذل الأعناق له بالسجود ، وتنزه عن مشابهة كل موجود بالوجود الأزلي ، سعد من بطاعته يلوذ ، ونجا من بحريمه يعوذ ، وأمره في خلقه نفوذ ، فما حيلة المرمى ، بعلم خفي الخافي من السر ، ويسمع أنين المضطر في الضر ، ويرى دبيب الذر في البر تحت أخفاف المطي ، لا يعزب عن سمعه خفي الركز ، ولا يمنع أمره حصين الحرز ، تعالى أن يشابه المخلوق في العجز بالعز الأبدي ، على قلب النبي ، يرزق النمل في الرمل والفرخ في العش ، ويبعث المزن بالوبل والودق والطش ، خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ، لا كاستواء البشري . يوصف بالحياة والكلام والسمع والنفس ، وجلت صفاته عن وهم الحدس إنما هو وحي أنزله روح القدس
يحاسب العباد يوم القصاص ، ويسأل عن خفي الرياء ودقيق الإخلاص ، ويتجلى في الجنة لأهل الخلاص فيلحقه الرائي ويا عزة المرئي ، بيده ملك الطول والعرض ، وإذا أجمع الخلائق ليوم العرض ، حار من في السماوات ومن في الأرض ، وانقضت مشيدات المبني .
[ ص: 383 ] موصوف بالرضا ويحذر منه السخط ، معروف بالكرم فإياك والقنط ، شرط عليكم التقوى فقم بالذي شرط ، فإنه لا ينسى أجر التقي . لا يخفى عليه خائنة اللحظ ، ولا يحتجب عن سمعه خفي اللفظ ، وقد نزجرك عن الخطايا بأبلغ الوعظ ، وننهاك بالعقلي والحسي ، تنزه عن العنصر والمزاج والطبع ، وتقدس عن الجوارح وإن وصف بالبصر والسمع ، ولا تعرف صفاته إلا بالنقل والسمع ، لا برأي البدعي .
تنزه عن الجرس والعي . مسطور في الصحائف والأوراق ، منزل من المليك الخلاق ، أنزله من فوق السبع الطباق على الرسول الأمي ، كتاب معظم مبارك لا يداني في لفظه ، ولا يشارك بكشف نوره ، كلما تدارك عن بصر البصيرة عمي العمي ، نزل بأمر الملك الجليل على النبي النبيه النبيل ، وسهلت تلاوته أي تسهيل حتى على الصبي ، به فاقت هذه الأمة على الأمم ، وبه نشر لهذا العالم العلم ، ومن حكمته هطلت على القلوب ديم فاهتزت وربت بالري ، فركب فيها أغراس الإيمان ، وأورقت أغصان الإيقان ، وانحلت معوصات الإشكال بالبيان ، حتى وصل إلى فهم الأعجمي . قضى بالقضاء قبل خلق الخلق وفرغ ، وأنزل القرآن والزمن النزر قد فرغ ، لينذركم به ومن بلغ باللسان العربي ، وهو المكتوب المسموع المعروف ، المحفوظ المتلو المألوف ، والمتكلم به بالكلام موصوف ،
منع حافظيه اللعب واللهو ، ودفع عن متدبريه البطالة والسهو ، فمن استغنى به عن غيره فهو في العيش الرضي ، إنه لأجل ما تحركت به الأفواه ؛ كيف لا والمتكلم به هو الله ، يكون مخلوقا وقد اتصف به الإله ، ويل للمعتزلي .
لا يخلق عن كثرة التكرار ولا يبلى ؛ لا يقدر الخلق على مثله حاشا وكلا ، تعرف الملائكة كل بيت فيه يتلى كمعرفتهم بالكوكب الدري .
فاسلك في اعتقادك طريق السلف المرضي ، وخذ بملازمة السنن بالسنن السوي ، هذا مذهب المسلم وعقد الحنبلي .
أحمده على الفهم القوي ، وأستعيذه من الشيطان الرجيم الغوي ، وأشهد له بالتوحيد شهادة زاد صفاؤها على الوصف العرفي ، وأن محمدا عبده ورسوله استخرجه من العنصر الزكي فبشر بولادته انشقاق الإيوان الكسروي ، وجمله بنور الهيئة قبل الزي ، ونصره بالرعب قبل المشرفي ، وأرسله بالدليل الجلي والحكم الشرعي ، وزهده في مجالسة الغني الغبي ، ورغبه في صحبة الفقير من الدنيا الخلي ، وعاتبه في صهيب الرومي والفقير الضعيف القصي وبلال الحبشي ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي .
[ ص: 384 ] وصلى الله على محمد القرشي الهاشمي المكي الزمزمي الأبطحي المدني التهامي ، وعلى صاحبه المخصوص بفضيلة ثاني اثنين وهو في القبر مضاجعه كهاتين ، كيف لا وقد كانا رفيقين في الزمان الجاهلي ، وعلى الذي كانت الشياطين تفرق من ظله وتتفرق هيبة من أجله ، إذا سمعوا خفق نعله هربوا من الأحوذي وعلى مصابر البلاء من أيدي الأعداء الذي يستحي منه ملائكة السماء . سلام الله على ذاك الحيي ، وعلي الذي ملئ علما وخوفا ، وعاهد على ترك الدنيا فأوفى ، ونحن والله نحبه أوفى من حب الرافضي ، وعلى جميع أصحابه وأزواجه وأتباعه على منهاجه ما قام مكلف بالفرض الرسمي ، واستقام نبت في الأرض بالوسمي . وسلم .
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار قال شهد له بالرسالة . وقوله : ابن عباس : والذين معه يعني أصحابه أشداء وهو جمع شديد . والرحماء جمع رحيم . والمعنى أنهم يغلظون على الكفار ويتوادون بينهم تراهم ركعا سجدا يصف كثرة صلاتهم يبتغون فضلا من الله وهو الجنة ورضوانا وهو رضا الله عنهم .
سيماهم أي علامتهم في وجوههم وهل هذه العلامة في الدنيا أو في الآخرة ؟ فيه قولان : أحدهما : في الدنيا . ثم فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنها السمت الحسن رواه قال الله تعالى : ابن أبي طلحة عن وقال ابن عباس . هو الخشوع والوقار والتواضع . والثاني : أنه ندى الطهور وثرى الأرض . قاله مجاهد : وقال سعيد بن جبير . لأنهم يسجدون على التراب . والثالث : أنه السهوم وهو اصفرار الوجه من أثر السهر . وهو مذهب أبو العالية : الحسن وعكرمة .
القول الثاني : أنها في الآخرة . ثم فيها قولان : أحدهما : أن موضع السجود من وجوههم يكون أشد وجوههم بياضا يوم القيامة . قاله وروي عن عطية العوفي . أنه قال : صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة . والثاني : أنهم يبعثون غرا محجلين من أثر الوضوء . قاله ابن عباس ويدل عليه ما روى الزجاج في صحيحه مسلم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أبي هريرة " . أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء ؛ فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله من حديث