وقد رأى تلك الليلة الجنة والنار .
أخبرنا أنبأنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا الحسن بن علي ، حدثنا أحمد بن جعفر ، حدثني عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبي ، حدثنا وكيع ، عن حماد بن سلمة ، علي بن زيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنس بن مالك ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون " . مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، قلت من هؤلاء قال : خطباء أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم عن
إخواني : قفوا ليلة المعراج على قدم الشكر ، تارة لما أنعم الله على نبيكم من إسرائه ، وتارة للإنعام عليكم بالإيمان بمعراجه ، والذي ناله المصطفى من الارتفاع والعلو يحث أمته على التماس القرب والدنو ، فالسعيد من تأهب للقاء ربه بتأديب نفسه وتطهير قلبه .
بأي عين تراني يا من بارزني وعصاني ، بأي وجه تلقاني ، يا من نسي عظمة شأني خاب المحجوبون عني وهلك المبعدون مني :
يا من يحدث نفسه بدخول جنات النعيم إن كنت متقيا فأنـ
ـت على الصراط المستقيم لا ترجون سلامة
من غير ما قلب سليم فاسلك طريق المتقيـ
ـن وظن خيرا بالكريم واذكر وقوفك خائفا
والناس في أمر عظيم إما إلى ذل الشقا
وة أو إلى العز المقيم [ ص: 442 ] فاجعل تقاك وقاية
في الحشر من نار السموم واغنم حياتك واجتهد
وأنب إلى الرب الرحيم
سبحان من أسرى بعبده فأصبح الحساد أسرى ، قصرت دولته قيصر وكسرت هيبته كسرى ، أقامه بالليل من وطائه ودثاره ، ورفعه فوق السماوات بقوته واقتداره ، وأراه ما في جنته وما في ناره ، وأوحى إليه ما أوحى من أسراره ، ثم أعاده في الليل إلى مسكنه وقراره ، وجاوز أفق الشمس والقمر ، وعلا على الملائكة والبشر ، وفاز بالتقريب والنظر ، وما حضر أحد قط حيث حضر ، ارتقى إلى مقام القرب بقدميه ، والأملاك تحف به من جانبيه ، وجبريل يمشي خادما بين يديه ، والرب قد أنعم بتقريبه إليه ، وكشف له الحجاب حتى رآه بعينيه ، فحماه بألطافه من الزيغ في طريقه ، وأيده بإسعافه وإسعاده وتوفيقه ، وعضده في صدقه بتصديق صديقه ، سبحان من رفعه فوق الأفلاك ، وقدمه على الأنبياء والأملاك ، وإنه والله أهل لذاك ، لأنه أطول القوم في جهاد أهل الإشراك ذيلا سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .
طيبه بأزكى الخلائق ثم رفعه على أزكى الخلائق فوق السبع الشداد الطرائق ، فيا فخر ذاك المقدم السابق رجلا وخيلا سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .
أوقد لهداية الخلق سراجه ، وشاد قواعد دينه وأبراجه ، وقوى دليله وأظهر احتجاجه ، فالخزي كل الخزي لمن جحد معراجه ويلا له ويلا سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .
كلمه كفاحا ، ومنحه فلاحا ، وسقاه من شراب المحبة راحا يميل بأعطافه ميلا سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .
أصلح بتدبيره طباع المرضى ، وجعل طاعته على الخلق فرضا ، وضمن أن يعطيه حتى يرضى ، كيلا يحصر ما يعطى وزنا وكيلا سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .
عاش في الدنيا بالقناعة ، وصبر على الفقر والمجاعة ، ويكفيه فخرا شرف الشفاعة ، وشغله ذكر القيامة والساعة أن يكون ملكا أو قيلا سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .
كان يجوع فيشد الحجر ، ويفتقر فيصابر الضرر ، راضيا بالظمأ وقطر المطر من سحاب الدنيا يجري سيلا سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .
سبحان من شرفنا بهذا الرسول ، ورزقنا موافقة المنقول ، فنحن أهل السنة لا أهل [ ص: 443 ] الفضول ، لا نزال على الصراط ولا نزول ، ما نعرف ميلا سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .
فخر نبينا أجل وأعلى ، ومناقبه من الشمس أجلى ، وذكره في قلوبنا والله أحلى عند قيس من ليلى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .
والحمد لله وحده .
[ ص: 444 ]