شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن الكلام على قوله تعالى :
إخواني : استدركوا باقي الشهر فإنه أشرف أوقات الدهر ، واحصروا النفوس عن هواها بالقهر ، وقد سمعتم بالحور العين فاهتموا بالمهر .
أخبرنا بسنده عن أبو منصور القزاز ، عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنس بن مالك " أفضل الصدقة صدقة رمضان " .
عباد الله : اعلموا أن ، والأعمال تضاعف بشرف وقتها ومكانها . النصف الأخير أفضل من الأول ، لأن فيه العشر وليلة القدر
قد بلغ الشهر إلى نصفه وليس عني الشهر بالراضي ظلمت صوم الشهر في حقه
يا ويلتا إن عدل القاضي
أيها الراقد عن نهزته ما يروع السيف حتى يشهرا
وأبي المجد لقد فاز به سالك فيه الطريق الأوعرا
قد كشف الدهر عن يقيني قناع شكي في كل شي
لا بد من أن يحل موت عقدة نفس من كل حي
عين المنية يقظى غير مطرقة وطرف مطلوبها مذ كان وسنان
جهلا تمكن منه حين مولده والنطق صاح ولب المرء سكران
صعد المنبر فقال : إن كنتم على يقين فأنتم حمقى ، وإن كنتم في شك فأنتم هلكى . ثم نزل . عمر بن عبد العزيز
ودخل عليه رجل متغير اللون فقال : ما بك ؟ قال : أمراض وأعلال ، قال : لتصدقني قال : ذقت حلاوة الدنيا مرا .
وهبني كتمت الحق إذ قلت غيره أتخفى على أهل العقول السرائر
أيا ذاك إن السر في الوجه ناطق وإن ضمير القلب في العين ظاهر
أطلت وعنفتني يا عذول يليت فدعني حديثي طويل
هواي هوى باطن ظاهر قديم حديث لطيف جليل
ألا ما لذا الليل لا ينقضي كذا ليل كل محب طويل
أبيت أساهر نجم الدجى إلى الصبح وحدي ودمعي يسيل
كل حي فقصاراه الأجل ليس للخلق بذا الموت قبل
نوب قلن لعاد قبلنا آن من ذات العماد المرتحل
واستوى من ذلك الشرب الذي صار علا لسواهم ونهل
ألبست ناسا سواهم حليهم ثم بزته فراحوا بالعطل
فكأن الدهر لم يجمع لهم رغد العيش وإعزاز الدول
فاسأل الإيوان عن أربابه كيف حلت بهم تلك الرحل
نقلتهم عن فضاء واسع يسرح الطرف به حتى يمل
نحن أعراض خطوب إن رمت عادت الأدراع لينا كالحلل
وإذا ما اختلفت أسهمها فأصابت بطل القوم بطل
كأنك بالمضي إلى سبيلك وقد جد المجهز في رحيلك
وجيء بغاسل فاستعجلوه بقولهم له افرغ من غسيلك
ولم تحمل سوى خرق وقطن إليهم من كثيرك أو قليلك
وقد مد الرجال إليك نعشا فأنت عليه ممتدا بطولك
وصلوا ثم إنهم تداعوا بحملك في بكورك أو أصيلك
فلما أسلكوك نزلت قبرا ومن لك بالسلامة في نزولك
أعانك يوم تدخله رحيم رؤوف بالعباد على دخولك
فسوف تجاور الموتى طويلا فدعني من قصيرك أو طويلك
أخي إني نصحتك فاستمع لي وبالله استعنت على قبولك
ألست ترى المنايا كل يوم تصيبك في أخيك وفي خليلك
يا له من وقت عظيم الشان تجب حراسته مما إذا حل شان ، كأنكم به قد رحل وبان ووجه الصلح ما بان شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .
من اللازم فيه أن تحرس العينان ، ومن الواجب أن يحفظ اللسان ، ومن المتعين أن تمنع من الخطى في الخطا القدمان شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .
زنوا أفعالكم في هذا الشهر بميزان ، واشتروا خلاصكم بما عز وهان ، فإن عجزتم فسلوا المعين وقد أعان شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .
قد ذهب نصف البضاعة في التفريط والإضاعة ، والتسويف يمحق ساعة بعد ساعة ، والشمس والقمر بحسبان شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .
يا واقفا في مقام التحير هل أنت على عزم التغير ؟ إلى متى ترضى بالنزول في منزل الهوان ، هل مضى من يومك يوم صالح سلمت فيه من جرائم القبائح ، تالله لقد سبق المتقي الرابح وأنت راض بالخسران ، عينك مطلقة في الحرام ، ولسانك منبسط في الآثام ، ولأقدامك على الذنوب إقدام ، والكل مثبت في الديوان ، قلبك غائب في صلواتك وفكرك [ ص: 481 ] ينقضي في شهواتك ، فإن ركن إليك معامل في معاملاتك دخلت به خان من خان أكثر كلامك لغو وهذر ، والوقت بالتفريط شذر مذر ، وإن اغتبت مسلما لم تبق ولم تذر ، الأمان منك الأمان ، تالله لو عقلت حالك أو ذكرت ارتحالك أو تصورت أعمالك لبنيت بيت الأحزان ، سيشهد رمضان عليك بنطق لسانك ونظر عينيك ، وسيشار يوم الجمع إليك شقي فلان وسعد فلان ، في كل لحظة تقرب من قبرك ، فانظر لنفسك في تدبير أمرك ، وما أراك إلا كأول شهرك ، الأول والآخر سيان ، قد ذهب من الشهر النصف وما أرى من عملك النصف ، فإن كان في الماضي قد فبح الوصف فقم الآن .
والحمد لله وحده .