[ ص: 494 ] المجلس التاسع
في ذكر عيد الفطر
الحمد لله موفر الثواب للأحباب ومكمل الأجر ، وباعث ظلام الليل ينسخه نور الفجر ، المحيط علما بخائنة الأعين وخافية الصدر ، ومعلم الإنسان ما لم يعلم به ولم يدر ، المتعالي عن درك خواطر النفس وهواجس الفكر ، الموالي رزقه فلم ينس النمل في الرمل والفرخ في الوكر ، جل أن تناله أيدي الحوادث على مرور الدهر ، وتقدس أن يخفى عليه باطن السر وظاهر الجهر ، مننه تيجان الرؤوس وقلائد النحر هو الذي يسيركم في البر والبحر أحصى عدد الرمل في الفيافي والنمل في القفر ، وشاء فأجرى كما شاء تقدير الإيمان والكفر ، أغنى وأفقر فبإرادته وقوع الفناء والفقر ، وأصم وأسمع فبمشيئته أدرك السمع ومنع الوقر ، أبصر فلم يخف عليه دبيب الذر في البر ، وسمع فلم يعزب عن سمعه دعاء المضطر في السر ، وقدر فلم يحتج إلى معين يمده بالنصر ، وأجرى الأقدار كما شاء في ساعات العصر ، فهو الذي هدانا إليه بواضح الدليل وسليم السر ، وخصنا من بين الأمم بشهر الصيام والصبر ، وغسل به ذنوب الصائمين كغسل الثوب بماء القطر ، فله الحمد إذ رزقنا إتمامه وأرانا عيد الفطر .
أحمده حمدا لا منتهى لعدده وأشهد بتوحيده شهادة مخلص في معتقده ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي نبع الماء من بين أصابع يده ، صلى الله عليه وعلى صاحبه الصديق رفيقه في شدائده ، وعلى أبي بكر كهف الإسلام وعضده ، وعلى عمر جامع القرآن فسقيا لمتبدده ، وعلى عثمان كافي الحروب وشجعاتها بمفرده والمضطجع ليلة خروجه على مرقده وعلى عمه علي مقدم بيت العباس هاشم وسيده .
عباد الله : إن يومكم هذا يوم العيد قد ميز فيه الشقي والسعيد ، فكم فرح بهذا اليوم مسرور وهو مطرود مهجور .
وقد روينا في حديث رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ابن عباس إذا كانت غداة الفطر بعث الله تعالى ملائكة في كل بلد فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس فيقولون : يا أمة محمد اخرجوا إلى [ ص: 495 ] رب كريم يغفر الذنب العظيم ، فإذا برزوا في مصلاهم يقول الله عز وجل يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله ؟ فيقولون : إلهنا وسيدنا جزاؤه أن توفيه أجره ، فيقول الله تعالى : يا ملائكتي أشهدكم أني قد جعلت ثوابهم في صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضاي ومغفرتي ، ويقول الله عز وجل : سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئا في جمعكم هذا لآخرتكم إلا أعطيتكموه ولا لدنيا إلا نظرت لكم ، انصرفوا مغفورا لكم قد أرضيتموني ورضيت عنكم .
وقد سبق هذا الحديث بإسناده فيما تقدم .
وأول وظيفة تختص بالعيد الغسل ، ثم البكور والخروج على أحسن هيئة ، إلا أن يكون معتكفا فيخرج في ثياب اعتكافه ويخرج معه زكاة فطره ، فإن كان قد أخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين جاز ، وإن صلى العيد ولم يخرجها أخرجها بعد ذلك على وجه القضاء ، فإذا مشى في الطريق غض بصره .
قال بعض أصحاب : خرجت معه يوم عيد فقال : إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض البصر ، ورجع سفيان الثوري حسان بن أبي سنان من عيده فقالت امرأته : كم من امرأة حسناء قد رأيت ؟ فقال : ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت إلى أن رجعت ! .
ويستحب أن يأكل قبل الصلاة ، بخلاف الأضحى ، وفي حديث رضي الله عنه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل سبع تمرات يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى .
أنبأنا زاهر بن طاهر بسنده عن قال : كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل الصلاة ولا يفعلون ذلك يوم النحر ، وإذا صلى العيد رجع في غير الطريق . سعيد بن المسيب
أخبرنا بسنده عن هبة الله بن محمد رضي الله عنهما أن ابن عباس وهذا يحتمل أشياء منها : أنا قد روينا أن الملائكة تقف على أفواه السكك يوم العيد فيقولون للناس : اخرجوا إلى رب كريم يغفر الذنب العظيم ، فيكون الاستحباب في تغيير الطريق أن يمر على ملإ منهم لم يمر عليهم ليحصل له البركة بدعائهم ، ويحتمل أن يكون ليلقى قوما من المسلمين ما لقيهم فيدعو لهم ويدعون له ، ويحتمل أن يكون للتفاؤل بتغير الحال ، كأنه خرج وعليه ذنب ورجع مغفورا له . النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ يوم العيد في طريق ويرجع في غيره .
[ ص: 496 ] ، وقد رويت صلاة لليلة وليوم العيد ليس فيها شيء يثبت ولا يصح ، فلهذا تنكبنا ذكرها ، وينبغي لمن وسع عليه أن يوسع على الفقراء في هذا اليوم ويتطوع بإطعام من قدر . ولا يسن التطوع قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضع صلاة العيد
أخبرنا محمد بن ناصر بسنده عن رضي الله عنه قال : أبي سعيد الخدري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا يوم الفطر أن نفطر الفقراء من إخواننا ، وكان يقول : من فطر واحدا يعتق من النار ، ومن فطر اثنين كتب له براءة من الشرك وبراءة من النفاق ، ومن فطر ثلاثة وجبت له الجنة وزوجه الله من الحور العين ، قال : وكان يأمرنا أن نطعم الخبز واللحم والخبز والزيت والخبز واللبن ، وكان يقول آدموا طعامكم يؤدم لكم عيشكم : يقول : يلينه .
ويستحب ، أخبرنا إتباع رمضان بست من شوال بسنده عن هبة الله بن محمد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي أيوب الأنصاري " . من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كمن صام الدهر انفرد بإخراجه " . مسلم
وقد ذكر العلماء أن السر في هذا أن أيام السنة ثلاثمائة وستون يوما وهذه الستة مع رمضان ستة وثلاثون والحسنة بعشر أمثالها فمن دام على هذا فكأنه كمن صام الدهر ، وقد روي نحو هذا مرفوعا .
أخبرنا علي بن عبيد الله بسنده عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثوبان " صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام شهرين فذلك صيام سنة " .
أخبرنا بسنده عن حماد بن سلمة الأزرق بن قيس عن رجل من بني تميم قال : كنا عند باب ووضعت الموائد فجعل معاوية يأكل وجعلت أنظر إليه فقال : ما شأنك يا أحمر ؟ أتريد أن تشغلني عن طعامي ؟ فقلت : ألم تزعم على الباب أنك صائم ، فقال أبو ذر : بلى ، ثم قال ، قرأت أبو ذر من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وقد صمت ثلاثة أيام من الشهر فأنا صائم الشهر كله . " صوم شهر الصبر وثلاثة من كل شهر صوم الدهر "
وبالإسناد حدثنا عن حماد بن سلمة ثابت بن أبي عثمان النهدي أن رضي الله عنه [ ص: 497 ] كان في سفر فلما نزل ووضعت السفرة بعثوا إليه وهو يصلي فقال : إني صائم فلما كادوا أن يفرغوا جاء فجعل يأكل فنظر القوم إلى رسولهم فقال : ما تنظرون ، قد والله أخبرني أنه صائم ، فقال أبا هريرة صدق إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبو هريرة " صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر وأنا مفطر في تخفيف الله وصائم في تضعيف الله عز وجل . "