ألم يأن تركي ما علي ولا ليا وعزمي على ما فيه إصلاح حاليا وقد نال مني الدهر وابيض مفرقي
بكر الليالي والليالي كما هيا أصوت بالدنيا وليست تجيبني
أحاول أن أبقى وكيف بقائيا وما تبرح الأيام تحذف مدتي
بعد حساب لا كعد حسابيا أليس الليالي غاصباتي مهجتي
كما غصبت قبلي القرون الخواليا وتسكنني لحدا لذي حفرة بها
يطول إلى أخرى الليالي ثوائيا فيا ليتني من بعد موتي ومبعثي
أكون ترابا لا علي ولا ليا
، أما عزم أن يلحقك بالأب والجد . أما ترى منعما أترب الثرى منه الخد ، كم عاينت متجبرا كف الموت كفه الممتد ، فاحذر أن يأتي على المعاصي فإنه إذا أتى أبى الرد ، إلى كم ذا الصبا والمراح ، أأبقى الشيب موضعا للمزاح ، لقد أغنى الصباح عن المصباح ، وقام حرب المنون من غير سلاح ، اعوجت [ ص: 614 ] القناة بلا قنا ولا صفاح ، فعاد ذو الشيبة بالضعف ثخين الجراح ، ونطقت ألسن الفناء بالوعظ الصراح ، وا أسفا صمت المسامع والمواعظ فصاح ، لقد صاح لسان التحذير يا صاح يا صاح ، وأنى بالفهم لمخمور غير صاح ، لقد أسكرك الهوى سكرا شديدا لا يزاح ، وما تفيق حتى يقول الموت : لا براح . يا من ذنوبه كثيرة لا تعد ووجه صحيفته بمخالفته قد اسود ، كم ندعوك إلى الوصال وتأبى إلا الصد ، أما الموت قد سعى نحوك وجد
ألا تبصر الآجال كيف تخرمت وكل امرئ للملك والموت صائر
وأنت بكأس القوم لا بد شارب فهل أنت فيما يصلح النفس ناظر
لقد وعظ الزمن بالآفات والمحن ، ولقد حدث بالطعن كل من قد ظعن ، ولقد أنذر المطلق في أغراضه المرتهن ، تالله لو صفت الفطن أبصرت ما بطن .
إخواني : أمر الموت قد علن ، كم طحطح الردى وكم طحن ، يا بائعا لليقين مشتريا للظنن ، يا مؤثرا للرذائل في اختيار الفتن ، إن السرور والشرور في قرن ، أنت في المعاصي مطلق الرسن ، وفي الطاعة كذي وسن ، يا رضيع الدنيا وقد آن فطامه ، يا طالب الهوى وقد حان حمامه .
قال : إن لله مناديا ينادي كل ليلة : أبناء الخمسين : هلموا للحساب ، أبناء الستين ماذا قدمتم وماذا أخرتم ؟ أبناء السبعين عدوا أنفسكم في الموتى : وهب بن منبه
كبرت وقاربت نصف المائه وبدلت يا شيخ بالتسميه
وقد نشر الشيب في عسكر الشباب على رأسك الألويه
تحول إلى توبة لا تحور عساها تكون هي المنجيه
ولا تطلق اللحظ في ريبة ولا تسألن فتنة ما هيه
وهل غيرها قد تذوقته فكم تعتد الإثم والمعصيه
إلى كم يا ذا المشيب ، أما الأمر منك قريب ، كم تعب في وعظك خطيب ، كم عالجك طبيب . إنه لمرض عجيب ، إنه لداء غريب ، عظم واهن ، وقلب صليب ، يا هذا لا شيء أقل من الدنيا ولا أعز من نفسك ، وها أنت تنفق أنفاس النفس النفيسة على تحصيل الدنيا الخسيسة ، متى يقنعك الكفاف ، متى يردك العفاف متى يقومك الثقاف ، إنك لتأبى إلا الخلاف ، مقاليدك ثقال وركعاتك خفاف ، يا قبيح الخصال يا سيء الأوصاف ، يا مشتريا بسني الخصب السنين العجاف ، قف متدبرا لحالك فالمؤمن وقاف ، وتذكر وعيد العصاة ويحك أما تخاف :
ما من الحزم أن تقارب أمرا تطلب البعد عنه بعد قليل
وإذا ما هممت بالشيء فانظر كيف منه الخروج قبل الدخول
لا مفرا من المقادير لكن للمعاذير عند أهل العقول
[ ص: 615 ] ويحك إن الدنيا فتنة ، وكم فيها من محنة ، غير أنها لا تخفى على أهل الفطنة ، لا يعز ذليلها ، ولا يودى قتيلها ، من سكنها خرج ، وساكنها منزعج :
إنما الدنيا بلاء ليس في الدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت
كل من فيها لعمري عن قريب سيموت
إنما يكفيك منها أيها الراغب قوت
يا هذا انتقم من حرصك بالقناعة ، فمن مات حرصه عاشت مروءته . خل فضول الدنيا وقد سلمت ، إن لم تقبل نصحي ندمت ، البلغة منها ما يقوت والزاهد فيها ما يموت ، فأعرض عنها جانبا ، وكن لأهلها مجانبا وإذا أقلقك : هجير المجاعة فلذ بالصبر في ظل القناعة .