في هذه النفخة قولان : أحدهما : أنها الأولى ، والثاني : أنها الثانية ، والقولان عن . ابن عباس
وأما الصور فروى أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور ، فقال : " هو قرن ينفخ فيه " عبد الله بن عمرو بن العاص .
وقال : الصور كهيئة البوق ، وحكى مجاهد ابن قتيبة أن الصور القرن في لغة قوم من أهل اليمن ، وأنشدوا :
نحن نطحناهم غداة الجمعين
بالصائحات في غبار النقعين
نطحا شديدا لا كنطح الصورين
أخبرنا أبو منصور بن محمد بن عبد الملك بن خيرون بسنده ، عن قال : أبي هريرة حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه فقال : إن الله تبارك وتعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى الأرض ينظر متى يؤمر ، قلت يا رسول الله وما الصور ؟ قال : القرن . قال : قلت : فكيف هو ؟ قال : عظيم والذي بعثني بالحق إن أعظم دارة فيه كعرض السماء والأرض ، فينفخ ثلاث نفخات : النفخة الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين عز وجل ، فيأمر الله عز وجل إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول : انفخ نفخة الفزع فينفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، فيأمره فيمدها ويطيلها فلا يفتر وهي التي يقول الله عز وجل : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق فيسير الله تعالى الجبال فتمر مر السحاب فتكون سرابا ، فترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموقرة في البحر تضربها الأمواج تكفأ بأهلها ، أو كالقنديل المعلق بالعرش ترجه الأرياح ، وهي التي يقول الله عز وجل : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة . [ ص: 665 ] فتميد الأرض بالناس على ظهرها فتذهل المراضع وتضع الحوامل ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع ، ويولي الناس مدبرين مالهم من الله من عاصم ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله عز وجل يوم التناد فبينا هم على ذلك تصدعت الأرض فانصدعت من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله وأخذهم من ذلك الكرب والهول ما الله به عليم ، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل ثم انشقت ، فانتثرت نجومها وانخسفت شمسها وقمرها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والأموات يومئذ لا يعلمون بشيء من ذلك " ، قال : يا رسول الله فمن استثنى الله تعالى حين قال : أبو هريرة ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال : " أولئك الشهداء وقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه ، وهو عذاب يبعثه الله على شرار خلقه يقول الله عز وجل : إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد فيمكثون في ذلك البلاء ما شاء الله إلا أنه يطول عليهم ، ثم يأمر الله عز وجل إسرافيل فينفخ نفخة الصعق ، فيصعق أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، فإذا اجتمعوا جاء ملك الموت إلى الجبار ، فيقول : قد مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت ، فيقول الله عز وجل - وهو أعلم - : من بقي ؟ فيقول : أي رب بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل ، فيقول : إني كتبت الموت على من تحت عرشي ، فيموتان ، ثم يأتي ملك الموت فيقول : قد مات جبريل وميكائيل ، فيقول وهو أعلم : من بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا تموت وبقيت حملة العرش وبقيت أنا ، فيقول الله عز وجل : فليمت حملة العرش ، فيموتون ويأمر الله تعالى العرش فيقبض القرن من إسرافيل ، ثم يقول : ليمت إسرافيل فيموت . ثم يأتي ملك الموت فيقول : يا رب قد مات حملة عرشك ، فيقول الله عز وجل وهو أعلم : فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت أنا . فيقول الله عز وجل : أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت فمت . فيموت .
[ ص: 666 ] وفي رواية : ابن أبي الدنيا مت ثم لا تحيا .
فإذا لم يبق إلا الله عز وجل طوى السماء والأرض كطي السجل للكتاب ، ثم دحاها ، ثم قال : أنا الجبار ، لمن الملك اليوم - ثلاث مرات - فلا يجيبه أحد فيجيب نفسه فيقول : لنفسه : لله الواحد القهار .
ثم يبسط الأرض بسطا يمدها مد الأديم ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة ، فإذا هم بالساهرة على ظهرها ، ثم ينزل الله تعالى ماء من تحت العرش كمني الرجال ثم يأمر السماء أن تمطر فتمطر أربعين يوما حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا ، ثم يأمر الله عز وجل الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث أو كنبات البقل ، حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت قال الله عز وجل : ليحيى حملة العرش فيحيون ، فيأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه ، ثم يقول الله عز وجل : ليحيى جبريل وميكائيل ، فيحييان ثم يدعو الله عز وجل الأرواح فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نورا والأخرى ظلمة ، فيقبضها جميعا ثم يلقيها في الصور ، ثم يأمر إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث ، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض ، فيقول الله عز وجل : وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها . فتدخل الأرواح في الخياشيم ثم تمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنهم سراعا . فأنا أول من تنشق عنه الأرض ، فيخرجون منها سراعا مهطعين إلى الداعي حفاة عراة غرلا ، ثم يقفون مقدار سبعين عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون دما ، وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم أو يبلغ الأذقان ، فتصيحون وتقولون : من يشفع لنا إلى ربنا عز وجل فيقضي بيننا فتقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم عليه السلام ، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلا ، فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه فيأتي ويقول . ما أنا بصاحب ذلك فيستقرون الأنبياء نبيا نبيا كلما جاؤوا نبيا أبى عليهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى يأتوني فأنطلق معهم ، حتى آتي قدام العرش فأخر ساجدا حتى يبعث الله تعالى ملكا فيأخذ بعضدي فيرفعني ، ويقول لي : يا محمد . فأقول : نعم يا رب . فيقول : ما شأنك ؟ وهو أعلم ، فأقول : يا رب وعدتني الشفاعة . فشفعني في خلقك واقض بينهم ، فيقول : قد شفعتك . فأرجع فأقف مع الناس ، فبينا نحن وقوف إذ سمعنا حسا من السماء شديدا فهالنا ، فينزل أهل سماء الدنيا فيأخذون مصافهم ، ثم ينزل أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة ، ومثلي من فيها من الجن والإنس حتى يأخذوا مصافهم ، حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى في ظلل من الغمام ، ويحمل عرش ربك فوقهم [ ص: 667 ] يومئذ ثمانية وهم اليوم أربعة ، أقدامهم في تخوم الأرض السفلى ، والأرض إلى حجرهم والعرش على مناكبهم لهم زجل من تسبيحهم ، يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلق ولا يموت ، سبوح قدوس ، سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح ، فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه ثم يقول : يا معشر الجن والإنس إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع قولكم وأنظر أعمالكم ، فأنصتوا ، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . ثم يأمر الله جهنم ، فيخرج منها عنق مظلم ثم يقول الله عز وجل : وامتازوا اليوم أيها المجرمون ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين إلى قوله : هذه جهنم التي كنتم توعدون فيميز الله الناس ، وتجثو الأمم ، فيقضي بين خلقه إلا الثقلين الجن والإنس ، فيقضي الله بين الوحش والبهائم ، حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن ، فإذا لم تبق تبعة عند واحدة لأخرى يقال لها : كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا .
فيقضي الله بين العباد ، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء فيأمر الله كل من قتل فيحمل رأسه تشخب أوداجه ، فيقول : يا رب سل هذا فيم قتلني ؟ فلا تبقى نفس قتلها قاتل إلا قتل بها ، ولا مظلمة ظلم بها إلا أخذ بها ، وكان في مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء رحمه ، ثم يقضي بين من بقي من خلقه حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها المظلوم من الظالم حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء ، فإذا فرغ من ذلك نادى مناد يسمع الخلائق كلهم فيقول : ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله عز وجل فلا يبقى أحد عبد شيئا من دون الله عز وجل إلا مثلت له الآلهة بين يديه ، ويجعل الله عز وجل يومئذ ملكا من الملائكة على صورة عزير ، ويجعل ملكا من الملائكة على صورة عيسى ابن مريم ، فيتبع هذا اليهود ويتبع هذا النصارى ، ثم قادتهم آلهتهم إلى النار ، فإذا لم يبق إلا المؤمنون ، وفيهم المنافقون بدأهم الله عز وجل فقال : يا أيها الناس ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون ، فيقولون : ما لنا إله إلا الله وما كنا نعبد غيره ، فيكشف لهم عن ساق ، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون [ ص: 668 ] أنه ربهم تعالى فيخرون سجدا على وجوههم ، ويخر كل منافق على قفاه فيجعل الله أصلابهم كصياصي البقر ، ويضرب الله الصراط بين ظهراني جهنم كحد السيف ، عليه كلاليب ، وخطاطيف ، وحسك كحسك السعدان ، فيمرون كطرف العين أو كلمح البصر أو كمر الريح أو كأجاويد الخيل أو كجياد الرجال ، فناج مسلم ، وناج مخدوش ، ومكدوش على وجهه في جهنم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فآتي باب الجنة فأستفتح فيفتح لي فإذا دخلت فنظرت إلى ربي عز وجل خررت ساجدا " .
تم الكتاب بحمد الله تعالى .