فهما : توحيد المرسل ، وتوحيد متابعة الرسول ، فلا يحاكم إلى غيره ، ولا يرضى بحكم غيره ، ولا يقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه ، فإن أذنوا له نفذه وقبل خبره ، وإلا فإن طلب السلامة فوضه إليهم وأعرض عن أمره [ ص: 229 ] وخبره ، وإلا حرفه عن مواضعه ، وسمى تحريفه تأويلا وحملا ، فقال : نؤوله ونحمله . فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب - ما خلا الإشراك بالله - خير له من أن يلقاه بهذه الحال . توحيدان ، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما
بل إذا بلغه الحديث الصحيح يعد نفسه كأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهل يسوغ أن يؤخر قبوله والعمل به حتى يعرضه على رأي فلان وكلامه ومذهبه ؟ ! بل كان الفرض المبادرة إلى امتثاله ، من غير التفات إلى سواه ، ولا يستشكل قوله لمخالفته رأي فلان ، بل تستشكل الآراء لقوله ، ولا يعارض نصه بقياس ، بل تهدر الأقيسة ، وتلغى لنصوصه ، ولا يحرف كلامه عن حقيقته ، لخيال يسميه أصحابه معقولا ، نعم هو مجهول ، وعن الصواب معزول ! ولا يوقف قبول قوله على موافقة فلان دون فلان ، كائنا من كان .
قال : حدثنا الإمام أحمد ، حدثنا أنس بن عياض أبو حازم ، عن ، عن أبيه ، عن جده ، قال : لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم ، عمرو بن شعيب . أقبلت أنا وأخي ، وإذا مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه ، فكرهنا أن نفرق بينهم ، فجلسنا حجرة ، إذ ذكروا آية من القرآن ، فتماروا فيها ، حتى [ ص: 230 ] ارتفعت أصواتهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا ، قد احمر وجهه ، يرميهم بالتراب ، ويقول : مهلا يا قوم ! بهذا أهلكت الأمم من قبلكم ، باختلافهم على أنبيائهم ، وضربهم الكتب بعضها ببعض ، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا ، بل يصدق بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه
ولا شك أن ، قال تعالى : الله قد حرم القول عليه بغير علم قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( الأعراف : 33 ) . وقال تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم ( الإسراء : 36 ) . فعلى العبد أن يجعل ما بعث الله به رسله ، وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه ، فيصدق بأنه حق وصدق ، وما سواه من كلام سائر الناس يعرض عليه ، فإن وافقه فهو حق ، وإن خالفه فهو باطل ، وإن لم يعلم هل خالفه أو وافقه لكون ذلك الكلام مجملا لا يعرف مراد صاحبه ، أو قد عرف مراده لكن لم يعرف هل جاء الرسول بتصديقه أو بتكذيبه - فإنه يمسك عنه ، ولا يتكلم إلا بعلم ، والعلم ما قام عليه الدليل ، والنافع منه ما جاء به الرسول .