وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن ولي الأمر ، وإمام الصلاة ، والحاكم ، وأمير الحرب ، وعامل الصدقة - : يطاع [ ص: 535 ] في مواضع الاجتهاد ، وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد ، بل عليهم طاعته في ذلك ، وترك رأيهم لرأيه ، فإن مصلحة الجماعة والائتلاف ، ومفسدة الفرقة والاختلاف ، أعظم من أمر المسائل الجزئية . ولهذا لم يجز للحكام أن ينقض بعضهم حكم بعض . والصواب المقطوع به صحة صلاة بعض هؤلاء خلف بعض . يروى عن المطاعون في مواضع الاجتهاد أبي يوسف : أنه لما حج مع فاحتجم الخليفة ، وأفتاه هارون الرشيد ، مالك بأنه لا يتوضأ ، وصلى بالناس ، فقيل لأبي يوسف : أصليت خلفه ؟ قال : سبحان الله ! أمير المؤمنين . يريد بذلك أن من فعل أهل البدع . وحديث ترك الصلاة خلف ولاة الأمور الذي رواه أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : البخاري ، - : نص صحيح صريح في أن يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فلكم وعليهم . والمجتهد غايته أنه أخطأ بترك واجب اعتقد أنه ليس واجبا ، أو فعل محظورا اعتقد أنه ليس محظورا . ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخالف هذا الحديث الصريح الصحيح بعد أن يبلغه ، وهو حجة على من يطلق من الحنفية والشافعية والحنبلية أن الإمام إذا ترك ما يعتقد المأموم وجوبه لم يصح اقتداؤه به ! ! فإن الاجتماع والائتلاف مما يجب رعايته وترك الخلاف المفضي إلى الفساد . الإمام إذا أخطأ فخطؤه عليه ، لا على المأموم
وقوله : وعلى من مات منهم - أي ونرى ، وإن كان يستثنى من هذا العموم البغاة وقطاع [ ص: 536 ] الطريق ، وكذا الصلاة على من مات من الأبرار والفجار ، خلافا قاتل نفسه لأبي يوسف ، لا الشهيد ، خلافا لمالك رحمهما الله ، على ما عرف في موضعه . لكن الشيخ إنما ساق هذا الكلام لبيان أنا لا نترك الصلاة على من مات من أهل البدع والفجور ، لا للعموم الكلي . والشافعي
ولكن المظهرون للإسلام قسمان : إما مؤمن ، وإما منافق ، ، ومن لم يعلم ذلك منه صلي عليه . فإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل هو عليه ، وصلى عليه من لم يعلم نفاقه ، وكان فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والاستغفار له عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة ، لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين ، وأخبر أنه لا يغفر لهم باستغفاره ، وعلل ذلك بكفرهم بالله ورسوله ، فمن كان مؤمنا بالله ورسوله لم ينه عن الصلاة عليه ، ولو كان له من الذنوب الاعتقادية البدعية أو العملية أو الفجورية ما له ، بل قد أمره الله تعالى بالاستغفار للمؤمنين ، فقال تعالى : فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [ ص: 537 ] [ محمد : 19 ] . فأمره سبحانه بالتوحيد والاستغفار لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات ، فالتوحيد أصل الدين ، والاستغفار له وللمؤمنين كماله . فالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة وسائر الخيرات ، إما واجب وإما مستحب ، وهو على نوعين : عام وخاص ، أما العام فظاهر ، كما في هذه الآية ، وأما الدعاء الخاص ، فالصلاة على الميت ، فما من مؤمن يموت إلا وقد أمر المؤمنون أن يصلوا عليه صلاة الجنازة ، وهم مأمورون في صلاتهم عليه أن يدعوا له ، كما روى أبو داود عن وابن ماجه رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبي هريرة . إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء