قوله : ( ونحب أهل العدل والأمانة ، حب أهل العدل من كمال الإيمان ) . ونبغض أهل الجور والخيانة
ش وهذا من كمال الإيمان وتمام العبودية ، فإن العبادة تتضمن كمال المحبة ونهايتها ، وكمال الذل ونهايته . فمحبة رسل الله وأنبيائه وعباده المؤمنين من محبة الله ، وإن كانت المحبة التي لله لا يستحقها غيره ، فغير الله يحب في الله ، لا مع الله ، فإن المحب يحب ما يحب محبوبه ، ويبغض ما يبغض ، ويوالي من يواليه ، ويعادي من يعاديه ، ويرضى لرضائه ، ويغضب لغضبه ، ويأمر بما يأمر به ، وينهى عما ينهى عنه ، فهو موافق لمحبوبه في كل حال .
والله تعالى يحب المحسنين ، ويحب المتقين ، ويحب التوابين ، ويحب المتطهرين ، ونحن نحب من أحبه الله .
والله لا يحب الخائنين ، ولا يحب المفسدين ، ولا يحب المستكبرين ، ونحن لا نحبهم أيضا ، ونبغضهم ، موافقة له سبحانه وتعالى .
[ ص: 547 ] و في ( ( الصحيحين ) ) عن النبي صلى الله عليه وسلم : . ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه ، كما يكره أن يلقى في النار
فالمحبة التامة مستلزمة لموافقة المحبوب في محبوبه ومكروهه ، وولايته وعداوته . ومن المعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة فلا بد أن يبغض أعداءه ، ولا بد أن يحب ما يحبه من جهادهم ، كما قال تعالى : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص [ الصف : 4 ] .
والحب والبغض بحسب ما فيهم من خصال الخير والشر ، فإن العبد يجتمع فيه سبب الولاية وسبب العداوة ، والحب والبغض ، فيكون محبوبا من وجه مبغوضا من وجه ، والحكم للغالب . وكذلك حكم العبد عند الله ، فإن الله قد يحب الشيء من وجه ويكرهه من وجه آخر ، كما قال صلى الله عليه وسلم ، فيما يروي عن ربه عز وجل : . وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت ، وأنا أكره مساءته ، ولا بد له منه
فبين أنه يتردد ، لأن التردد تعارض إرادتين ، وهو سبحانه يحب [ ص: 548 ] ما يحب عبده المؤمن ، ويكره ما يكرهه ، وهو يكره الموت فهو يكرهه ، كما قال : وأنا أكره مساءته ، وهو سبحانه قضى بالموت فهو يريد كونه ، فسمى ذلك ترددا ، ثم بين أنه لا بد من وقوع ذلك ، إذ هو يفضي إلى ما هو أحب منه .