وإذا قالوا : لفظ الآية ثبت بالتواتر الذي لا يمكن فيه الكذب ولا الخطأ ، فثبوت التواتر في نقل الوضوء عنه أولى وأكمل ، ولفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنة ، فإن المسح كما يطلق ويراد به الإصابة - كذلك يطلق ويراد به الإسالة ، كما تقول [ ص: 553 ] العرب : تمسحت للصلاة ، وفي الآية ما يدل على أنه لم يرد بمسح الرجلين المسح الذي هو قسيم الغسل ، بل المسح الذي الغسل قسم منه ، فإنه قال : إلى الكعبين ولم يقل : إلى الكعاب ، كما قال : إلى المرافق فدل على أنه ليس في كل رجل كعب واحد ، كما في كل يد مرفق واحد ، بل في كل رجل كعبان ، فيكون تعالى قد أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين ، وهذا هو الغسل ، فإن من يمسح المسح الخاص يجعل المسح لظهور القدمين ، وجعل الكعبين في الآية غاية يرد قولهم . فدعواهم أن الفرض مسح الرجلين إلى الكعبين ، اللذين هما مجتمع الساق والقدم عند معقد الشراك - مردود بالكتاب والسنة .
وفي الآية قراءتان مشهورتان : النصب والخفض ، وتوجيه إعرابهما مبسوط في موضعه . وقراءة النصب نص في وجوب الغسل ، لأن العطف على المحل إنما يكون إذا كان المعنى واحدا ، كقوله :
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
[ ص: 554 ] وليس معنى : مسحت برأسي ورجلي - هو معنى : مسحت رأسي ورجلي ، بل ذكر الباء يفيد معنى زائدا على مجرد المسح ، وهو إلصاق شيء من الماء بالرأس ، فتعين العطف على قوله : وأيديكم ، فإن الرسول بين للناس لفظ القرآن ومعناه . كما قال فالسنة المتواترة تقضي على ما يفهمه بعض الناس من ظاهر القرآن : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن : أبو عبد الرحمن السلمي عثمان بن عفان ، وعبد الله بن [ ص: 555 ] مسعود ، وغيرهما : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا معناها .وفي ذكر المسح في الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجلين ، فإن السرف يعتاد فيهما كثيرا . والمسألة معروفة ، والكلام عليها في كتب الفروع .