وإذا عرف أن توحيد الإلهية هو التوحيد الذي أرسلت به الرسل وأنزلت به الكتب ، كما تقدمت إليه الإشارة - فلا يلتفت إلى قول من قسم التوحيد إلى ثلاثة أنواع ، وجعل هذا النوع توحيد العامة ، والنوع الثاني توحيد الخاصة ، وهو الذي يثبت بالحقائق ، والنوع الثالث توحيد قائم بالقدم ، وهو توحيد خاصة الخاصة ، فإن صلوات الله عليهم ، والمرسلون منهم أكمل في ذلك ، وأولو العزم من الرسل أكملهم توحيدا ، وهم : أكمل الناس توحيدا الأنبياء نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، صلى الله وسلم عليهم أجمعين .
[ ص: 54 ] محمد وإبراهيم ، صلوات الله عليهما وسلامه ، فإنهما قاما من التوحيد بما لم يقم به غيرهما علما ، ومعرفة ، وحالا ، ودعوة للخلق وجهادا ، فلا توحيد أكمل من الذي قامت به الرسل ، ودعوا إليه ، وجاهدوا الأمم عليه . ولهذا أمر سبحانه نبيه أن يقتدي بهم فيه . كما قال تعالى ، بعد ذكر مناظرة وأكملهم توحيدا الخليلان : إبراهيم قومه في بطلان الشرك ، وصحة التوحيد وذكر الأنبياء من ذريته : - أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ( الأنعام : 90 ) فلا أكمل من توحيد من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهم .
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا : محمد ، وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين . أصبحنا على فطرة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ، ودين نبينا
فملة إبراهيم : التوحيد ، ودين محمد صلى الله عليه وسلم : ما جاء به من عند الله قولا وعملا واعتقادا . وكلمة الإخلاص : هي شهادة أن لا إله إلا الله . وفطرة الإسلام : هي ما فطر عليه عباده من محبته وعبادته وحده لا شريك له ، والاستسلام له عبودية وذلا وانقيادا وإنابة .
فهذا توحيد خاصة الخاصة ، الذي من رغب عنه فهو من أسفه السفهاء . قال تعالى : ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ( البقرة : 130 - 131 ) .