قوله : ( لمن كان له أهلا ، وبعذاب القبر عن ربه ودينه ونبيه ، على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن الصحابة رضوان الله عليهم . والقبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران ) . ش : قال تعالى : وسؤال منكر ونكير في قبره وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ غافر : 45 - 46 ] .
وقال تعالى : فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون [ ص: 573 ] [ الطور : 45 - 47 ] . وهذا يحتمل أن يراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا ، وأن يراد به عذابهم في البرزخ ، وهو أظهر ، لأن كثيرا منهم مات ولم يعذب في الدنيا ، أو المراد أعم من ذلك .
وعن رضي الله عنه ، قال : البراء بن عازب بقيع الغرقد ، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقعد وقعدنا حوله ، كأن على رءوسنا الطير ، وهو يلحد له ، فقال : ، ثلاث مرات ، ثم قال : إن أعوذ بالله من عذاب القبر ، نزلت إليه الملائكة ، كأن على وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، فجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : يا أيتها النفس الطيبة ، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ، قال : فيصعدون بها ، فلا يمرون بها ، يعني على ملأ من الملائكة ، إلا قالوا : ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون : فلان بن فلان ، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء ، فيستفتحون له ، فيفتح له ، فيشيعه من كل سماء مقربوها ، إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في [ ص: 574 ] عليين ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى .
قال : فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان له : ما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت ، فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، قال : فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، قال : ويأتيه رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : يا رب ، أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي .
قال : وإن ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، قال : فتتفرق في جسده ، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ، حتى يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح خبيثة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : [ ص: 575 ] ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح له ، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط [ الأعراف : 40 ] فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين ، في الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ : ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق [ الحج : 31 ] .
فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ، فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، فينادي مناد من السماء : أن كذب ، فأفرشوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره ، حتى تختلف أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوءك ، هذا [ ص: 576 ] يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ، فوجهك الوجه يجيء بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول رب لا تقم الساعة . كنا في جنازة في
رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وروى النسائي ، أوله ، ورواه وابن ماجه الحاكم وأبو عوانة الإسفراييني في ( ( صحيحيهما ) ) وابن حبان .
وذهب إلى موجب هذا الحديث جميع أهل السنة والحديث ، وله شواهد من الصحيح . فذكر رحمه الله عن البخاري سعيد عن قتادة عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقول له : انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، فيراهما جميعا .
قال إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه ، إنه ليسمع قرع نعالهم ، فيأتيه ملكان ، فيقعدانه ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ، قتادة : وروي لنا أنه يفسح له في قبره ، وذكر الحديث .
وفي ( ( الصحيحين ) ) عن رضي الله عنهما : ابن عباس ، وما يعذبان في كبير ، أما [ ص: 577 ] أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ، فدعا بجريدة رطبة ، فشقها نصفين ، وقال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا مر بقبرين ، فقال : إنهما ليعذبان . وفي صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أبي حاتم عن قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة ، وذكر الحديث . . . إلخ . إذا قبر الميت ، أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان ، يقال لأحدهما المنكر ، وللآخر : النكير
[ ص: 578 ] وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا ، وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم في كيفيته ، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته ، لكونه لا عهد له به في هذه الدار ، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول ، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول . فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا ، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا .