قوله: إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض الآية، هاهنا في قول جميع المفسرين: الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب. معنى الأمانة
روى ، عن أبو بكر الهذلي في هذه الآية، قال: عرضت الأمانة على السماوات السبع الطباق التي زينت بالنجوم وحملت العرش العظيم، فقيل لهن: تأخذن الأمانة بما فيها. قلن: وما فيها؟ قيل: إن أحسنتن جزيتن، وإن أسأتن عوقبتن. قلن: لا، ثم عرضت على الجبال الشم الشوامخ البواذخ الصلاب الصعاب، فقيل لهن: أتأخذن الأمانة بما فيها؟ قلن: وما فيها؟ قيل: إن أحسنتن جزيتن، وإن أسأتن عوقبتن. قلن: لا. الحسن
فذلك قوله: فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وقال : قالت السماء: يا رب، خلقتني وجعلتني سقفا محفوظا، وأجريت في الشمس والقمر والنجوم، لا أتحمل فريضة، ولا أبغي ثوابا ولا عقابا. ابن جريج
وقالت الأرض: جعلتني بساطا ومهادا، وشققت في الأنهار، وأنبت في الأشجار، لا أتحمل فريضة، ولا أبغي ثوابا ولا عقابا.
وإنما كان العرض على أعيان هذه الأشياء بأن ركب الله تعالى فيهن العقل وأفهمهن خطابه حتى فهمن وأنطقهن بالجواب.
فأبين أن يحملنها أي: مخافة وخشية لا معصية ومخالفة، والعرض كان تخييرا لا إلزاما، وقوله: ومعنى قوله:
[ ص: 485 ] وأشفقن منها أي: خفن من الأمانة أن لا يوفينها فيلحقهن العقاب، وحملها الإنسان قال ، عن عطاء : يريد ابن عباس آدم ، عرض الله عليه أداء الفرائض: الصلوات الخمس في مواقيتها، وأداء الزكاة عند محلها، وصيام رمضان، وحج البيت على أن له الثواب وعليه العقاب، فقال: بين أذني وعاتقي.
وقال : قال الله: يا آدم، أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها؟ فقال آدم: وما لي عندك؟ قال: إن أحسنت وأطعت ووعيت الأمانة فلك الكرامة وحسن الثواب في الجنة، وإن عصيت وأسأت فإني معذبك ومعاقبك. مقاتل بن حيان
قال: قد رضيت رب وتحملتها.
فقال الله تعالى: قد حملتكها.
فذلك قوله: وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا قال : ظلمه حين عصى ربه فأخرج من الجنة، وجهله حين احتملها. الكلبي
وقال المقاتلان: ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تحمل.
أخبرنا أحمد بن يعقوب ، نا ، نا الحسن بن علي بن عفان أسامة ، عن النضر بن عدي ، أن رجلا سأل مجاهدا عن قوله، إنا عرضنا الأمانة الآية، فقال : لما خلق الله السماوات والأرض والجبال عرض الأمانة عليها فلم تقبلها، فلما خلق الله مجاهد آدم عرضها عليه، قال: يا رب، وما هي؟ قال: إن أحسنت جزيتك، وإن أسأت عذبتك. قال: قد تحملتها يا رب.
قال : فما كان بين أن تحملها وبين أن خرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر. مجاهد
أخبرنا أبو بكر الحارثي ، أنا أبو الشيخ الحافظ ، نا أبو يحيى الرازي ، نا سهل العسكري ، نا ، عن يعلى بن عبيد جويبر ، عن ، عن الضحاك : قال: ابن عباس لآدم : إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض فلم تطقها، فهل أنت حاملها بما فيها؟ قال: إي رب، وما فيها؟ قال: إن حفظتها أجرت، وإن ضيعتها عذبت، قال: فقد حملتها بما فيها، قال: فما غبر في الجنة إلا كقدر ما بين الظهر والعصر حتى أخرجه منها إبليس، قال إن الله قال جويبر : فقلت : وما الأمانة؟ قال: الفرائض على كل مؤمن؛ أن لا يغش مؤمنا، ولا معاهدا في قليل ولا كثير، فمن انتقص شيئا من الفرائض فقد خان أمانته . للضحاك
قوله: ليعذب الله المنافقين إلى قوله: ويتوب قال المقاتلان: ليعذبهم الله بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل ونقضوا الميثاق الذين أقروا به حين أخرجوا من ظهر آدم ، وقال ، الحسن : هؤلاء خانوها، وهم الذين ظلموها. وقتادة
ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات هؤلاء أدوها، وقال : أي: عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك، فيعذبهما الله، ويظهر إيمان المؤمن ويتوب الله عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير في بعض الطاعات؛ ولذلك ذكر بلفظ التوبة، فدل أن المؤمن العاصي خارج من العذاب. ابن قتيبة
وكان الله غفورا للمؤمنين، رحيما بهم.