وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب
وقال الذين كفروا يعني منكري البعث، قال بعضهم لبعض: هل ندلكم على رجل يزعم أنكم تبعثون بعد أن تكونوا عظاما وترابا ورفاتا، وهو قوله: إذا مزقتم كل ممزق أي: فرقتم كل تفريق، وقطعتم كل تقطيع، والممزق هاهنا مصدر بمعنى التمزيق، قال : إذا متم وبليتم، وقال ابن عباس : إذا تفرقتم في الأرض وذهبت الجلود والعظام وكنتم ترابا. مقاتل
إنكم لفي خلق جديد أي: يجدد خلقكم بأن تبعثوا وتنشروا.
أفترى على الله كذبا هذا أيضا من قول الكفار بعضهم لبعض، قالوا: أفترى محمد على الله كذبا حين زعم أنا نبعث بعد الموت، والألف في أفترى ألف الاستفهام، وهو استفهام تعجب وإنكار.
وقوله: أم به جنة يقولون: أيزعم كذبا أم به جنة؟ فرد الله عليهم، فقال: بل ليس الأمر على ما قالوا من الافتراء والجنون، الذين لا يؤمنون بالآخرة هؤلاء الذي لا يؤمنون بالبعث، في العذاب في الآخرة، والضلال البعيد من الحق في الدنيا، ثم وعظهم ليعتبروا، فقال: أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض وذلك أن الإنسان حيث نظر رأى السماء والأرض قدامه وخلفه، وعن يمينه وعن شماله، والمعنى أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم، وأنا القادر عليهم، إن شئت خسفت الأرض بهم، وإن شئت أسقطت عليهم قطعة من سمائي، وهو قوله: إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء وأدغم وحده الفاء في الباء في قوله: الكسائي نخسف بهم الأرض قال أبو علي الفارسي : وذلك غير جائز؛ لأن الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا، فانحدر الصوت إلى الفم حيث اتصلت بمخرج الثاء، ولهذا جاز إبدال الثاء بالفاء في نحو الحدث والجدف للمقاربة بينهما، فلم يجز إدغامه في الباء، كما لا يجوز إدغام الباء فيه لزيادة صوت الفاء على صوت الباء.
وقوله: إن في ذلك أي: فيما ترون من السماء والأرض، لآية تدل على قدرة الله على البعث وعلى ما يشاء من الخسف بهم، لكل عبد منيب أياب إلى الله وحده، ورجع إلى طاعته، وتأمل ما خلق.
[ ص: 488 ]