لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور
قوله: لقد كان لسبإ .
-أخبرنا الحاكم أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، أنا أبو عمرو بن مطر ، نا ، نا أبو خليفة أبو همام ، نا ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن أبي حيان ، عن يحيى بن هانئ فروة بن مسيك ، قال: سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أتيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أخبرني عن سبإ، أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب، ولد عشرة، تيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تيامنوا؛ فالأزد وكندة ومذحج والأشعريون وأنمار؛ منهم: بجيلة، وأما الذين تشاءموا؛ فعاملة وغسان ولخم وجذام، والمراد بسبإ هاهنا: القبيلة الذين هم من أولاد وقوله: في مساكنهم كانت مساكنهم بمأرب من اليمن ، آية أي: علامة تدلهم على قدرة الله، وأن المنعم عليهم هو الله، ثم ذكر تلك الآية، فقال: جنتان عن يمين وشمال عن يمين واد لهم وشماله، كانت قد أحاطتا بذلك الوادي الذي بين مساكنهم، وقيل لهم: كلوا من رزق ربكم يعني ثمار الجنتين، قال ، السدي : كانت المرأة تخرج فتحمل مكتلها على رأسها وتمر فيمتلئ من ألوان الفاكهة من غير أن تمس شيئا بيدها. ومقاتل
وقوله: واشكروا له أي: على ما رزقكم من النعمة، والمعنى: اعملوا بطاعته؛ إذ أنعم عليكم بما أنعم.
بلدة طيبة يعني أرض سبإ بلدة طيبة؛ لأنها أخرجت ثمارها ولم تكن سبخة، وقال ابن زيد : لم يكن فيها شيء مؤذ من بعوض أو ذباب، ولا [ ص: 491 ] برغوث ولا عقرب، ويمر الغريب ببلدتهم وفي ثيابه القمل فتموت كلها لطيب هوائها.
ورب غفور أي: والله رب غفور، قال : وربكم إن شكرتم فيما رزقكم رب غفور للذنوب. مقاتل
فأعرضوا عن الحق وكذبوا أنبياءهم، فأرسلنا عليهم سيل العرم وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبإ من الشحر وأودية اليمن ، فردموا ما بين جبلين وحبسوا الماء في ذلك الردم ثلاثة أبواب، بعضها فوق بعض، وكانوا يسقون من الباب الأعلى، ثم من الثاني، ثم من الثالث، فأخصبوا وكثرت أموالهم، فلما كذبوا رسولهم بعث الله تعالى جرذا ثقبت ذلك الردم حتى انتقض، فدخل الماء خيمهم فغرقها ودفن السيل بيوتهم، فذلك قوله تعالى: فأرسلنا عليهم سيل العرم جمع عرمة، وهي السكر الذي يحبس الماء، وقال ابن الأعرابي : العرم السيل الذي لا يطاق، وقال ، قتادة : العرم اسم وادي سبإ. ومقاتل
وبدلناهم بجنتيهم اللتين يطعمان الفواكه، جنتين ذواتي أكل خمط القراءة الجيدة بالإضافة لأن الخمط عند المفسرين اسم شجرة، قالوا: هو الأراك، وأكله جناه، وهو البريد.
قال : الخمط كل شجرة مرة ذات شوك. أبو عبيدة
قال : الأحسن في مثل هذه الإضافة مثل دار حر وثوب خز، وقال الأخفش ابن الأعرابي : الخمط ثمر شجر يقال له فسوة الضبع على صورة الخشخاش ينفرك ولا ينتفع به، وقال ، المبرد : يقال لكل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله: خمط. والزجاج
وعلى هذا يحسن -التنوين- في أكل إذا جعلت الخمط اسما للمأكولات، والأثل شجرة تشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه، والسدر إذا كان بريا لا ينتفع به، ولا يصلح ورقه للمغسول، كما يكون ورق السدر الذي ينبت على الماء.
ومعنى قوله: وشيء من سدر قليل يعني أن الأثل والخمط كانا أكثر في الجنتين المبدلتين من السدر.
قال : كان شجر القوم من خير الشجر؛ إذ صيره إليه من شر الشجر. قتادة
ذلك جزيناهم بما كفروا أي: جزيناهم ذلك التبديل لكفرهم، وهل نجازي إلا الكفور يعني أن المؤمن نكفر عنه ذنوبه بطاعاته، والكافر يجازى بكل سوء يعمله.
قال : وهل يكافأ بعمله السيئ إلا الكفور لله في نعمه، وقال مقاتل : المؤمن يجزى ولا يجازى، أي: يجزى الثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته. الفراء