الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم أخبر عن صنعه لتعتبروا، فقال: والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور  من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور  والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير  

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 502 ] والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا تزعجه من حيث هو، فسقناه إلى بلد ميت إلى مكان لا نبت فيه، فأحيينا به الأرض بعد موتها أنبتنا فيها الزرع والكلأ بعدما لم يكن، "كذلك النشور" البعث والإحياء.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي ، نا أبو علي الفقيه ، أنا الحسين بن محمد بن مصعب ، نا يحيى بن حكيم ، نا أبو داود ، نا شعيب ، أخبرني يعلى بن عطاء ، سمعت وكيع بن عدس يحدث، عن أبي رزين العقيلي ، قال: قلت: يا رسول الله، كيف يحي الله الموتى؟ قال: أما مررت بواد ممحلا، ثم مررت به خضراء؟ قلت: بلى، قال: فكذلك يحي الله الموتى، وقال: كذلك النشور قوله: من كان يريد العزة قال الفراء : معناه من كان يريد علم العزة لمن هي، فإنها لله جميعا، وقال قتادة : من كان يريد العزة فليعتزن بطاعة الله، يعني أن قوله: فلله العزة جميعا معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة، كما يقال: من أراد المال فالمال لفلان، فليطلبه من عنده، ويدل على صحة هذا ما روى ثابت ، عن أنس ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ربكم يقول كل يوم: أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز".  

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إليه يصعد الكلم الطيب إلى الله يصعد كلمة التوحيد، وهو قول: لا إله إلا الله، ومعنى يصعد أنه يعلم ذلك، كما يقال: ارتفع الأمر إلى القاضي وإلى السلطان، أي: علمه، ويجوز أن يكون معنى إليه إلى سمائه، وهو المحل الذي لا يجري لأحد سواه فيه ملك ولا حكم، فجعل صعوده إلى السماء صعود إليه، وقوله: والعمل الصالح يرفعه قال الحسن : "العمل الصالح" يرفع الكلام الطيب إلى الله، يعرض القول على الفعل، فإن وافق القول الفعل، وإن خالف رد.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقال قتادة : يرفع الله العمل الصالح لصاحبه أي: يقبله فيكون هذا ابتداء إخبار لا يتعلق بما قبله، ثم ذكر من لا يوحد الله فقال: والذين يمكرون السيئات أي يشركون بالله ويقولون الشرك، وقال الكلبي : يعملون السيئات.

                                                                                                                                                                                                                                      لهم عذاب شديد وقال أبو العالية : يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة ، وهو قوله: وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية، ثم أخبر أن مكرهم يبطل، فقال: ومكر أولئك هو يبور يفسد ويهلك ولا يملكون شيئا، ثم دل على نفسه بصنعه، فقال: والله خلقكم من تراب يعني آدم ، ثم من نطفة يعني نسله، ثم جعلكم أزواجا ذكرانا وإناثا، وما يعمر من معمر ما يطول عمر أحد، ولا ينقص من عمره قال الفراء : يريد آخر غير الأول، فكنى عنه كأنه الأول؛ لأن اللفظ الثاني لو ظهر كان الأول، كأنه قيل: ولا ينقص من عمر معمر إلا في كتاب يعني اللوح المحفوظ.

                                                                                                                                                                                                                                      قال سعيد بن جبير : مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا، ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة حتى يأتي على آخر عمره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن ذلك على الله يسير إن كتابة الآجال والأعمال على الله هين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 503 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية