أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أنا أبو الشيخ الحافظ ، أنا الوليد بن أبان ، نا محمد بن إدريس ، نا منصور بن أبي مزاحم ، [ ص: 503 ] نا ابن أبي الوضاح ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله ، أن أبا بكر رضي الله عنه اشترى بلالا من أمية بن خلف ، وأبي بن خلف ببردة وعشر أواق فأعتقه لله عز وجل، فأنزل الله عز وجل والليل إذا يغشى إلى قوله: إن سعيكم لشتى يعني سعي أبي بكر وأمية وأبي ثم فصل وبين، فقال: فأما من أعطى تصدق من ماله، واتقى معصية ربه، يعني: الصديق رضى الله عنه.
وصدق بالحسنى بالجنة، وثواب الله، والخلف من الله.
فسنيسره لليسرى فسنهيئه لعمل الخير، والمعنى: نيسر له الإنفاق في سبيل الخير، والعمل بالطاعة لله. قال المفسرون: نزلت هذه الآيات في أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه، اشترى ستة نفر من المؤمنين، كانوا في أيدي أهل مكة يعذبونهم في الله. قال عروة بن الزبير : أعتق أبو بكر على الإسلام قبل أن يهاجر من مكة ست رقاب بلال سابعهم عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة شهيدا، وأم عميس ، وزنيرة ، فأصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى. فقالت: وبيت الله لا تضر اللات والعزى، ولا تنفعان؛ فرد الله إليها بصرها، وأعتق النهدية وابنتها، وكانت لامرأة من بني عبد الدار ، فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما يطحنان لها، وهي تقول: والله لا أعتقكما أبدا، فقال أبو بكر ، رضي الله عنه: خلا يا أم فلان؟ قالت: خلا أنت أفسدتهما فأعتقهما. قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا. قال: أخذتهما وهما حرتان. ومر أبو بكر ، رضي الله عنه، بجارية من بني نوفل وكانت مسلمة ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، يعذبها لتترك الإسلام، وهو يومئذ مشرك، وهو يضربها حتى إذا مل قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالة، فابتاعها أبو بكر فأعتقها، فقال عمار بن ياسر ، وهو يذكر بلالا وأصحابه وما كانوا فيه من البلاء، وإعتاق أبي بكر إياهم، وكان اسم أبي بكر عتيقا :
جزى الله خيرا عن بلال وصحبه عتيقا وأخزى فاكها وأبا جهل عشية هما في بلال بسوأة
ولم يحذرا ما يحذر المرء ذو العقل بتوحيده رب الأنام وقوله
شهدت بأن الله ربي على مهل فإن تقتلوني فاقتلوني فلم أكن
لأشرك بالرحمن من خيفة القتل فيا رب إبراهيم والعبد يونس
وموسى وعيسى نجني ثم لا تمل لمن ظل يهوى الغي من آل غالب
على غير حق كان منه ولا عدل
[ ص: 504 ] قوله: وأما من بخل بالنفقة في الخير والصدقة، واستغنى عن ثواب الله، فلم يرغب فيه، يعني أبا سفيان ، ثم هو عام في الكفار.
وكذب بالحسنى بما صدق به أبو بكر .
فسنيسره للعسرى قال مقاتل : نعسر عليه أن يعطي خيرا. وقال عكرمة ، عن ابن عباس : للعسرى : للشر عليه أن الشر يؤدي إلى العذاب، والعسرة في العذاب. والمعنى: سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه.
أخبرنا أبو بكر الحارثي ، أنا أبو الشيخ الحافظ ، نا الحذاء ، نا علي بن المديني ، نا جرير ، عن منصور بن المعتمر ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي رضي الله عنه، قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله وفي يده أو قال: معه مخصرة، فنكس فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: "ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة، فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاوة، فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى الآيات رواه البخاري ، عن عثمان بن أبي شيبة ورواه مسلم ، عن زهير بن حرب كلاهما عن جرير ثم ذكر أن ما أمسك من ماله عن الإنفاق لا ينفعه، فقال: وما يغني عنه ماله الذي بخل به عن الخير، إذا تردى مات، وهلك، وقال ابن عباس ، وقتادة : إذا تردى في جهنم، أي: سقط.


